غيابي وعاشرتها على فراشي؟ {ما أراك فعلت هذا إِلا لهواني عليك} فقال لها رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مسترضياً لها: إِني حرمتها عليَّ ولا تخبري بذلك أحداً، فلما خرج من عندها قرعت فحصة الجدار الذي بينها وبين عائشة وكانتا متصافيتين وأخبرتها بسرِّ النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فغضب رسول الله وحلفت ألا يدخل على نسائه شهراً واعتزلهن» فأنزل الله {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ. .} الآية.
ب وروي «أن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ كان يدخل على زوجه» زينب «رَضِيَ اللَّهُ عَنْها فيشرب عندها عسلاً، فاتفقت عائشة وحفصة على أن تقول له كل واحد إِذا دنا منها: أكلتَ معافير وهو طعام حلٌ كريه الريح فلما مرَّ على حفصة قالت له ذلك، ثم دخل على عائشة فقالت له مثل ذلك وكان صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ يكره أن توجد منه رائحة كريهة فقال عليه السلام: لا ولكني شربت عسلاً عند زينب ولن أعود له وحلف» فنزلت {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ. .} الآيات.
التفسِير: {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} الخطاب بلفظ النبوة مشعرٌ بالتوقير والتعظيم، والتنويه بمقامه الرفيع الشريف، فلم يخاطبه باسمه العلم كما خاطب سائر الرسل بقوله «يا إِبراهيم، يا نوحٌ، يا عيسى بن مريم» وإنما خاطبه بلفظ النبوة أو الرسالة، وذلك أعظم دليلٍ وبرهانٍ على أنه صلوات الله عليه أفضل الأنبياء والمرسلين ومعنى الآية: يا أيها الموحى إِليه من السماء، المنبأ بواسطة الأمين جبريل عليه السلام، لما تمنع نفسك ما أحلَّ الله لك من النساء؟! قال المفسرون: إِن رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خلا بأم ولده «مارية» في بيت حفصة وعلمت بذلك فقال لها: اكتمي عليَّ وقد حرمت مارية على نفسي فنزلت الآية {ياأيها النبي لِمَ تُحَرِّمُ مَآ أَحَلَّ الله لَكَ} وفي افتتاح العتاب من حسن التلطف ما لا يخفى، فقد عاتبه على إِتعاب نفسه والتضييق عليها من أجل مرضاة أزواجه، كأنه يقول: لا تتعب نفسك في سبيل أزواجك، وأزواجك يسعين في مرضاتك، فأرح نفسك من هذا العناء {تَبْتَغِي مَرْضَاتَ أَزْوَاجِكَ} ؟ أي تطلب رضا أزواجك بتحريم ما أحلَّ الله لك؟