اللغَة: {جُنَّةً} وقاية وسُترة يحفظون بها أنفسهم وأموالهم وفي الحديث «الصوم جُنَّة» أي وقاية من عذاب الله {طُبِعَ} ختم عليها بالكفر، والطبعُ: الختم {يُؤْفَكُونَ} يصرفون عن الحق إِلى الضلال، من الإِفك وهو الصَّرف {لَوَّوْاْ} عطفوا وحرَّكوا يقال: لوَّى رأسه إِذا حرَّكه وأداره {يَنفَضُّواْ} يتفرقوا {تُلْهِكُمْ} تشغلكم، واللهو: ما لا خير فيه ولا فائدة من القول أو العمل.
سَبَبُ النّزول: روي أن النبيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ غزا: «بني المُصطلق» فازدحم الناسُ على ماءٍ فيه، فكان ممن ازدحم عليه «جهجاه بن سعيد: أجبير لعمر بن الخطاب، و» سنان الجُهني «حليفٌ لعبد الله بن سلول رأس المنافقين فلطم الجهجاهُ سناناً، فغضب سنان وصرخ ياللأنصار، وصرخ جهجاه يا للمهاجرين، فقال» عبد الله بن سلول «أو قد فعلوها! {والله ما مثلنا ومثل هؤلاء يعني المهاجرين إِلا كما قال الأول» سمِّنْ كلبك يأكلك «، أما واللهِ لئن رجعنا إِلى المدينة ليخرجنَّ الأعزُّ منها الأذل يعني بالأعز نفسه، وبالأذل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وصحبه ثم قال لقومه: إِنما يقيم هؤلاء المهاجرين بالمدينة بسبب معونتكم وإِنفاقكم عليهم، ولو قطعتم ذلك عنهم لفروا عن بلدكم، فسمعه» زيد بن أرقم «فأخبر بذلك رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، وبلغ ذلك ابن سلول فحلف أنه ما قال من ذلك شيئاً وكذَّب زيداً، فنزلت السورة إِلى قوله تعالى {يَقُولُونَ لَئِن رَّجَعْنَآ إِلَى المدينة لَيُخْرِجَنَّ الأعز مِنْهَا الأذل. .} الآيات.
التفسِير: {إِذَا جَآءَكَ المنافقون} أي إِذا أتاك يا محمد المنافقون وحضروا مجلسك كعبد الله بن سلول وأصحابه {قَالُواْ نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} أي قالوا بألسنتهم نفاقاً ورياءً: نشهد بأنك يا محمد رسولُ الله، يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قال أبو السعود: أكَّدوا كلامهم بإِنَّ واللام {إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} للإِيذان بأنَّ شهادتهم هذه صادرة عن صميم قلوبهم، وخلوص اعتقادهم، ووفور رغبتهم ونشاطهم {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} أي واللهُ جل وعلا يعلم أنك يا محمد رسولُه حقاً، لأنه هو الذي أرسلك، والجملةُ اعتراضية جيء بها لدفع توهم تكذيبهم في دعوة رسالته صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ لئلا يتوهم السامع أن قولهم {إِنَّكَ لَرَسُولُ الله} كذبٌ في حدِّ ذاته قال في التسهيل: وقوله {والله يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ} ليس من كلام المنافقين، وإِنما هو من كلام الله تعالى، ولو لم يذكره لكان يوهم