صفوه التفاسير (صفحة 1416)

للقوم الذين كذبوا بآيات الله، الدالة على نبوة محمد عليه الصلاة والسلا م {والله لاَ يَهْدِي القوم الظالمين} أي لا يوفق للخير، ولا يرشد للإِيمان من كان ظالماً فاسقاً قال عطاء: هم الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم للأنبياء، ثم كذَّب تعالى اليهود في دعوى أنهم أحباُ الله فقال {قُلْ ياأيها الذين هادوا} أي قل يا محمد لهؤلاء الذين تهودوا وتمسكوا بملة اليهودية {إِن زَعمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَآءُ لِلَّهِ مِن دُونِ الناس} أي إن كنتم أولياء الله وأحباءه حقاً كما تدَّعون {فَتَمَنَّوُاْ الموت إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ} أي فتمنوا من الله أن يميتكم، لتنقلوا سريعاً إِلى دار كرامته المعدَّة لأوليائه، إِن كنتم صادقين في هذه الدعوة قال أبو السعود: كان اليهود يقولون:

{نَحْنُ أَبْنَاءُ الله وَأَحِبَّاؤُهُ} [المائدة: 18] ويدَّعون أن الدار الآخرة لم عند الله، خالصة، ويقولون {لَن يَدْخُلَ الجنة إِلاَّ مَن كَانَ هُوداً} [البقرة: 11] فأمر الله رسوله أن يقول لهم إِظهاراً لكذبهم: إِن زعمتم ذلك فتمنوا الموت، لتنقلوا من د اء البلاء إِلى دار الكرامة، فإنَّ من أيقن بأنه من أهل الجنة، أحبَّ أن يتخلص إِليها من هذه الدار الي هي مقرُّ الأكدار، قال تعالى فاضحاً لهم، ومبيناً كذبهم {وَلاَ يَتَمَنَّونَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْديهِمْ} أي ولا يتمنون الموت بحالٍ من الأحوال، بسبب ما أسلفوه من الكفر والمعاصي وتكذيب محمد عليه السلام وفي الحديث «والذي نفسي بيده، لو تمنوا المتَ ما بقي على ظهرها يهودي إِلا مات» قال الألوسي: لك يتمنَّ أحدٌ الموت منهم، لأنهم كانوا موقنين بصدقه عليه السلام، فعلموا أنهم لو تمنوه لماتوا من ساعتهم، وهذه إِحدى المعجزات، وجاء في سورة البقرة نفيُ هذا التمني بلفظ {ولن} وهو من باب التفنن على القول المشهور {والله عَلِيمٌ بالظالمين} أي عالمٌ بهم وما صدر عنهم من فنون الظلم والمعاصي، وإِنما وضع الظاهر موضع الضمير «عليمٌ بهم» ذماً لهم، وتسجيلاً عليهم بأنهم ظالمون {قُلْ إِنَّ الموت الذي تَفِرُّونَ مِنْهُ} أي قل لهم يا محمد: إن هذا الموت الذي تهربون منه، وتخافون أن تتمنوه حتى بلسانكم {فَإِنَّهُ مُلاَقِيكُمْ} أي فإِنه آتيكم لا محالة، لا ينفعكم الفرار منه كقوله تعالى {أَيْنَمَا تَكُونُواْ يُدْرِككُّمُ الموت وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُّشَيَّدَةٍ} [النساء: 78] لأنه قدرٌ محتوم، ولا يغني حذرٌ عن قدر {ثُمَّ تُرَدُّونَ إلى عَالِمِ الغيب والشهادة} أي ثم ترجعون إِلى الله الذي لا تخفى عليه خافية {فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي فيجازيكم على أعمالكم، وفيه وعيدٌ وتهديد. . ثم شرع تعالى في بيان أحكام الجمعة فقال {ياأيها الذين آمنوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاَةِ مِن يَوْمِ الجمعة} أي يا معشر المؤمنين المصدّقين بالله ورسوله، إِذا سمعتم المؤذن ينادي لصلاة الجمعة ويؤذن لها {فاسعوا إلى ذِكْرِ الله وَذَرُواْ البيع} أي فامضوا إِلى سماع خطبة الجمعة وأداء الصلاة، واتركوا البيع والشراء، اتركوا التجارة الخاسرة واسعوا إِلى التجارة الرابحة قال في التسهيل: والسعيُ في الآية بمعنى المشي لا بمعنى الجري لحديث «إِذا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015