وقدَّم الرسول تشريفاً له ولأنه الأصلُ للمؤمنين، ومعنى إِخراجهم أنهم ضيقوا عليهم وآذوهم حتى خرجوا منها مهاجرين إِلى المدينة {أَن تُؤْمِنُواْ بالله رَبِّكُمْ} أي من أجل أنكم آمنتم بالله الواحد الأحد كقوله
{وَمَا نَقَمُواْ مِنْهُمْ إِلاَّ أَن يُؤْمِنُواْ بالله العزيز الحميد} [البروج: 8] {إِن كُنتُمْ خَرَجْتُمْ جِهَاداً فِي سَبِيلِي وابتغآء مَرْضَاتِي} شرطٌ حذف جوابه أي إن كنتم خرجتم مجاهدين في سبيل الله طلباً لرضوانه فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء قال الألوسي: وجوابُ الشرط محذوف دلَّ عليه ما تقدم كأنه قيل: لا تتخذوا أعدائي إِن كنتم أوليائي {تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بالمودة وَأَنَاْ أَعْلَمُ بِمَآ أَخْفَيْتُمْ وَمَآ أَعْلَنتُمْ} أي تسرون إِليهم بالنصيحة وأنا العالم بسريرتكم وعلانيتكم، لا يخفى عليَّ شيءٌ من أحوالكم؟ والغرض منه التوبيخُ والعتاب {وَمَن يَفْعَلْهُ مِنكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَآءَ السبيل} أي ومن يصادق أعداء الله، ويفش أسرار الرسول، فقد حاد عن طريق الحق والصواب. . ثم أخبر تعالى المؤمنين بعداوة الكفار الشديدة لهم، المستحكمة في قلوبهم فقال {إِن يَثْقَفُوكُمْ يَكُونُواْ لَكُمْ أَعْدَآءً} أي إن يظفروا بكم ويتمكنوا منكم، يُظهروا ما في قلوبهم من العداوة الشديدة لكم {ويبسطوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ وَأَلْسِنَتَهُمْ بالسواء} أي يمدوا إِليكم أيديهم بالضرب والقتل، وألسنتهم بالشتم والسب {وَوَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ} أي وقد تمنوا أن تكفروا لتكونوا مثلهم قال الزمخشري: وإِنما أورده بذكر الماضي {وَوَدُّواْ} بعد أن ذكر جواب الشرط بلفظ المضارع {لَوْ تَكْفُرُونَ} لأنهم أرادوا كفرهم قبل كل شيء كقوله تعالى {وَدُّواْ لَوْ تَكْفُرُونَ كَمَا كَفَرُواْ فَتَكُونُونَ سَوَآءً} [النساء: 89] {لَن تَنفَعَكُمْ أَرْحَامُكُمْ وَلاَ أَوْلاَدُكُمْ} أي لن تفيدكم قراباتكم ولا أولادكم الذين توالون الكفار من أجلهم يوم القيامة شيئاً، فلن يجلبوا لكم نفعاً، ولن يدفعوا عنكم ضُرّاً قال الصاوي: هذه تخطئةٌ لحاطب في رأيه كأنه قال: لا تحملكم قراباتكم وأولادكم الذين بمكة، على خيانة رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ والمؤمنين، ونقل أخبارهم وموالاة أعدائهم، فإِنه لا تنفعكم الأرحام ولا الأولاد الذين عصيتم الله من أجهلم {يَوْمَ القيامة يَفْصِلُ بَيْنَكُمْ} أي في ذلك اليوم العصيب، يحكم الله بين المؤمنين والكافرين، فيدخل المؤمنين جنات النعيم، ويدخل المجرمين دركات الجحيم {والله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} أي مطلَّع على جميع أعمالكم فيجازيكم عليها {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ في إِبْرَاهِيمَ والذين مَعَهُ} أي قد كان لكم يا معشر المؤمنين قُدوة حسنةٌ في الخليل إِبراهيم ومن معه من المؤمنين {إِذْ قَالُواْ لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَءآؤُاْ مِّنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي حين قالوا للكفار إِننا متبرءون منكم ومن الأصنام التي تعبدونها من دون الله {كَفَرْنَا بِكُمْ} أي كفرنا بدينكم وطريقتكم {وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ العداوة والبغضآء أَبَداً} أي وظهرت بيننا وبينكم العداوةُ والبغضاء إِلى الأَبد ما دمتم على هذه الحالة {حتى تُؤْمِنُواْ بالله وَحْدَهُ} أي إِلى أن توحدوا الله فتعبدوه وحده، وتتركوا ما أنتم عليه من الشرك والأوثان قال المفسرون: أمر الله المؤمنين أن يقتدوا بإِبراهيم الخليل عليه السلام وبالذين معه في عداوة المشركين والتبرؤ منهم، لأن الإِيمان يقتضي مقاطعة أعداء الله وبغضهم {إِلاَّ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ لأَسْتَغْفِرَنَّ لَكَ} أي إِلا في استغفار إِبراهيم لأبيه فلا تقتدوا