صفوه التفاسير (صفحة 1396)

صُدُورِهِمْ مِّنَ الله} أي لأنتم يا معشر المسلمين أشدُّ خوفاً وخشيةً في قلوب المنافقين من الله، فإِنهم يرهبون ويخافون منكم أشدَّ من رهبتهم من الله {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ} أي ذلك الخوف منكم بسبب أنهم لا يعلمون عظمة الله تعالى حتى يخشوه حقَّ خيشته قال القرطبيك أي لا يفقهون قدر عظمة الله وقدرته.

. ثم أخبر تعالى عن اليهود والمنافقين بأنهم جبناء من شدة الهلع، وأنهم لا يقدرون على قتال المسلمين إِلا إِذا كانوا متحصنِّين في قلاعهم وحصونهم فقال {لاَ يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاَّ فِي قُرًى مُّحَصَّنَةٍ} أي لا يقدرون على مقاتلتكم مجتمعين إِلا إِذا كانوا في قرى محصَّنة بالأسوار والخنادق {أَوْ مِن وَرَآءِ جُدُرٍ} أي أو يكونوا من وراء الحيطان ليتستروا بها، لفرط جبنهم وهلعهم {بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ} أي عداوتهم فيما بينهم شديدة {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شتى} أي تظنهم مجتمعين على أمرٍ ورأي في الصورة ذوي ألفةٍ واتحاد، وهم مختلفون غاية الاختلاف لأن أراءهم مختلفة، وقلوبهم متفرقة قال قتادة: أهل الباطل مختلفةٌ آراؤهم، مختلمفة أهواءهم، مختلفةٌ شهادتهم، وهم مجتمعون في عداوة أهل الحق {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَعْقِلُونَ} أي ذلك التفرق والشتات هو انتفاء عقولهم، فهم كالبهائم لا تتفق على حالة {كَمَثَلِ الذين مِن قَبْلِهِمْ قَرِيباً} أي صفةُ بني النضير فيما وقع لهم من الجلاء والذل، كصفةِ كفار مكة فيما وقع لهم يوم بدر من الهزيمة والأسرار قال البيضاوي: أي مثل اليهود كمثل أهل بدر، أو المهلكين من الأمم الماضية في زمان قريب {ذَاقُواْ وَبَالَ أَمْرِهِمْ} أي ذاقوا سوء عاقبة إِجرامهم في الدنيا {وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي ولهم عذاب شديد موجعٌ في الآخرة {كَمَثَلِ الشيطان إِذْ قَالَ لِلإِنسَانِ اكفر} أي مثل المنافقين في إغراء اليهود على القتال، كمثل الشيطان الذي أغرى الإِنسان بالكفر ثم تخلى عنه وخذله {فَلَمَّا كَفَرَ قَالَ إِنِّي برياء مِّنكَ} أي فلما كفر الإِنسان تبرأ منه الشيطان وقال {إني أَخَافُ الله رَبَّ العالمين} أي أخاف عذاب الله وانتقامه إن كفرتُ به قال في التسهيل: هذا مثلُ، مثَّل، مثَّل اللهُ للمنافقين الذين أغووا يهود بني النضير ثم خذلوهم بعد ذلك بالشيطان الذي يُغوي ابن آدم ثم يتبرأ منهن والمراد بالشيطان والإِنسان هنا الجنس، وقولُ الشيطان {إني أَخَافُ الله} كذبٌ منه ورياءٌ لأنه لو خاف الله لامتثل أمره وما عصاه {فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي النار خَالِدِينَ فِيهَا} أي فكان عاقبة المنافقين واليهود، مثل عاقبة الشيطان والإِنسان، حيث صارا إِلى المؤبدة {وَذَلِكَ جَزَآءُ الظالمين} أي وذلك عقاب كل ظالم فاجر، منتهكٍ لحرمات الله والدين. . ولمَّا ذكر صفات كلٍ من المنافقين واليهود وضرب لهم الأمثال، وعظ المؤمنين بموعظةٍ حسنة، تحذيراً من أن يكونوا مثل من تقدم ذكرهم فقال {ياأيها الذين آمَنُواْ اتقوا الله} أي خافوا الله واحذروا عقابه، بامتثال أوامره، واجتناب نواهيه {وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015