صفوه التفاسير (صفحة 1378)

تشبيهاً بالأم وقوله {مِنكُمْ} توبيخٌ للعرب وتهجينٌ لعادتهم في الظهار لأنه كان من أيمان أهل الجاهلية خاصةً دون سائر الأمم {إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلاَّ اللائي وَلَدْنَهُمْ} أي ما أمهاتهم في الحقيقة إِلاَّ الوالدات اللات ولدنهم من بطونهم وفي المثل «ولدك من دمَّى عقبيك» وهو تأكيد لقوله {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} زيادة في التوضيح والبيان {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنكَراً مِّنَ القول وَزُوراً} أي والحال إِن هؤلاء المظاهرين ليقولون كلاماً منكراً تننكره الحقيقة وينكره الشرع، وهو كذبٌ وزورٌ وبهتان {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} أي مبالغ في العفو والمغفرة لمن تاب وأناب قال في التسهيل: أخبر تعالى أن الظهار منكر وزور، فالمنكر هو الذي لا تعرف له حقيقة، والزور هو الكذب، وإِنما جعله كذباً لأن المظاهر يجعل امرأته كأمه. وهي لا تصير كذلك أبداً والظهار محرم ويدل على تحريمه أربعة أشياء: أحدها قوله {مَّا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} فإِن ذلك تكذيب للمظاهر والثاني أنه سمَّاه منكراً والثالث أنه سماه زوراً والرابع قوله تعالى {وَإِنَّ الله لَعَفُوٌّ غَفُورٌ} فإِنَّ العفو والمغفرة لا تقع إِلا عن ذنب، والذنب مع ذلك لازمٌ للمظاهر حتى يرفعه بالكفارة. . ثم بيَّن تعالى طريق الكفارة عن هذا القول الشنيع فقال {والذين يُظَاهِرُونَ مِن نِّسَآئِهِمْ} أي يظاهرون من زوجاتهم بتشبيههنَّ بالأمهات {ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُواْ} أي يعودون عمَّا قالوا، ويندمون على ما فرط منهم، ويرغبون في إعادة أزواجهم إِليهم {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِّن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} أي فعليهم إِعتاقُ رقبةٍ عبداً كان أو أمةً من مقبل أن يعاشر زوجته التي ظاهر منها أو يجامعها، والتَّماسُّ كنابةٌ عن الجماع ودواعيه من التقبيل واللمس عند الجمهور قال الخازن: المرادُ من التماسِّ المجامعةُ فلا يحل للمظاهر وطءُ امرأته التي ظاهر منها ما لم يُكفِّر وقال القرطبي: لا يجوز للمظاهر الوطءُ قبل التكفير، فإِن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولايسقط عنه التكفير، وعن مجاهد تلزمه كفارتان {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} أي ذلكم هو حكم الله فيمن ظاهر ليتعظ به المؤمنون، حتى تتركوا الظهار ولا تعودوا إليه {والله بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ} أي عالم بظواهر الأمور وبواطنها ومجازيكم بها، فحافظوا على حدود ما شرع لكم من الأحكام {فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ مِن قَبْلِ أَن يَتَمَآسَّا} أي فمن لم يجد الرقبة التي يعتقها فعليه صيام شهرين متواليين من قبل الجماع قال المفسرون: لو أفطر يوماً منها انطقع التتابع ووجب عليه أن يستأنفها {فَمَن لَّمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً} أي فمن لم يستطع الصيام لكبرٍ أو مرمض، فعليه أن يُطعم ستين مسكيناً ما يشبعهم {ذَلِكَ لِتُؤْمِنُواْ بالله وَرَسُولِهِ} أي ذلك الذي بيناه من أحكام الظهار من أجل أن تصدقوا بالله ورسوله في العمل بشرائعه، ولا تستمروا على أحكام الجاهلية {وَتِلْكَ حُدُودُ الله} أي وتلك هي أوامرُ اله وحدوده فلا تعتدوها {وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ} أي وللجاحدين والمكذبين بهذه الحدود عذاب مؤلم موجع قال الألوسي: أطلق الكافر على متعدي الحدود تغليظاً وزجراً.

. {إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ} ولما ذكر المؤمنين الواقفين عند حدوده، ذكر المحادين المخالفين لها فقال {إِنَّ الذين يُحَآدُّونَ الله وَرَسُولَهُ} أي يخالفون أمر الله ورسوله، ويعادون الله ورسوله قال أبو السعود: أي

طور بواسطة نورين ميديا © 2015