وهو الإِيمان، وعملُ الطاعات {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السمآء والأرض} أي وسارعوا إِلى جنةٍ واسعة فسيحة، عرضها كعرض السموات السبع من الأرض مجتمعة قال السدي: إِن اله تعالى شبَّه عرض الجنة بعرض السموات السبع والأرضين السبع، ولا شك أن طولها أزيد من عرضها، فذكر الرض تنبيهاً على أن طولها أضعاف ذلك وقال البيضاوي: إِذا كان العرض كذلك فما ظنك بالطول، {أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُواْ بالله وَرُسُلِهِ} أي هيأها الله وأعدها للمؤمنين المصدّقين بالله ورسله قال المفسرون: وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة وموجودة لأن ما لم يُخلق بعد لا يوصف بأنه أُعدَّ وهُيءَ {ذَلِكَ فَضْلُ الله يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ} أي ذلك الموعود به من المغفرة والجنة هو طاء الله الواسع، يتفضل به على من يشاء من عبادة من غير إيجاب {والله ذُو الفضل العظيم} أي ذو العطاء الواسع والإِحسان الجليل {مَآ أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ فِي الأرض} أي ما يحدث في الأرض مصيبةً من المصائب كقحطٍ، وزلزلةٍ، وعاهة في الزروع، ونقصٍ في الثمار {وَلاَ في أَنفُسِكُمْ} أي من الأمراض، والأوصاب، والفقر، وذهاب الاولاد {إِلاَّ فِي كِتَابٍ مِّن قَبْلِ أَن نَّبْرَأَهَآ} أي إِلاَّ ويه مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن نخلقها ونوجدها قال في التسهيل: المعنى أن الأمور كلها مقدَّرة في الأزل، مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل ن تكون، وفي الحديث
«إن الله يكتب مقادير الأشياء قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء» {إِنَّ ذَلِكَ عَلَى الله يَسِيرٌ} أي إن إثبات ذلك على كثرته سهلٌ هيّنٌ على الله عَزَّ وَجَلَّ وإِن كان عسيراً على العباد. . ثم بيَّن تعالى لنا الحكمة في إعلامنا عن كون هذه الأشياء واقعة بالقضاء والقدر فقال {لِّكَيْلاَ تَأْسَوْاْ على مَا فَاتَكُمْ} أي أثبت وكتب ذلك كي لا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم الدنيا {وَلاَ تَفْرَحُواْ بِمَآ آتَاكُمْ} أي ولكي لا تبطروا بما أعطاكم الله من زهرة الدنيا وتعميمها قال المفسرون: والمراد بالحزن الحزنُ الذي يوجب القنوط، وبالفرح الفرحُ الذي يورث الأشر والبطر، ولهذا قال ابن عباس: «ليس من أحدٍ إِلا وهو يحزن ويفرح، ولكنَّ المؤمن يجعل مصيبته صبراً، وغنيمته شكراً» ومعنى الآية: لا تحزنوا حزناً يخرجكم إِلى أن تهلكوا أنفسكم، ولا تفرحوا فرحاً شديداً يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا، ولهذا قال بعض العارفين: «من عرف سرَّ الله في القدر هانت عليه المصائب» وقال عمر رَضِيَ اللَّهُ عَنْه: «ما أصابتني مصيبة إِلا وجدت فيها ثلاث نعم: الأولى: أنها لم تكن في ديني، الثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت، الثالثة: أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير {وَبَشِّرِ الصابرين الذين إِذَآ أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا للَّهِ وَإِنَّآ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ أولئك عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وأولئك هُمُ المهتدون} [البقرة: 155157] {والله لاَ يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي لا يحب كل متكبر معجبٍ بما أعطاه الله من حظوظ الدنيا، فخور به على الناس. . ثم بيَّن تعالى أوصاف هؤلاء المذمومين فقال {الذين يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ الناس بالبخل} أي يبخلون بالإِنفاق في سبيل الله، ولا يكفيهم ذلك حتى يأمروا الناس بالبخل ويرغبوهم في الإِمساك {وَمَن يَتَوَلَّ} أي ومن يعرض عن