التفسِير: {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} أي مجَّد اللهَ ونزَّهه عن السوء كلُّ ما في الكون من إِنسان، وحيوان، ونبات قال الصاوي: والتسبيحُ تنزيهُ المولى عن كل ما لا يليق به قولاً، وفعلاً، واعتقاداً، من سبح في الأرض والماءِ إِذا ذهب وأبعد فيهما، وتسبيحُ العقلاء بلسان المقال، وتسبيح الجماد بلسان الحال أي أن ذاتها دالة على تنزيه صانعها عن كل نقص، وقيل بلسان المقال أيضاً {ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإِسراء: 44] وقال الخازن: تسبيحُ العقلاء تنزيهُ الله عَزَّ وَجَلَّ عن كل سوء، وعما لا يليق بجلاله، وتسبيحُ غير العقلاء من ناطق وجماد اختلفوا فيه، فقيل: تسبيحه دلالته على صانعه، فكأنه ناطق بتسبيحه، وقيل: تسبيحه بالقول يدل عليه قوله تعالى: {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ ولكن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ} [الإِسراء: 44] أي قولهم، والحقُّ ألأن التسبيح هو القولُ الذي لا يصدر إِلا من العاقل العارف بالله تعالى، وما سوى العاقل ففي تسبيحه وجهان: أحدهما: أنها تدل على تعظيمه وتنزيهه والثاني: أن جميع الموجودات بأسرها منقادةٌ له يتصرف فيها كيف يشاء، فإِن حملنا التسبيح على القول كان المراد بقوله {سَبَّحَ للَّهِ مَا فِي السماوات والأرض} الملائكةُ والمؤمنون العارفون بالله، وإِن حملنا التسبيح على التسبيح المعنوي، فجميع أجزاء السموات وما فيها من شمس، وقمر، ونجوم وغير ذلك وجميع ذرات الأرضين وما فيها من جبالٍ، وبحار، وشجر، ودواب وغير ذلك كلها مسبحة خاشعة خاضعة لجلال عظمة الله، منقادةٌ له يتصرف فيها كيف يشاء، فإِن قيل: قد جاء في بعض فواتح السور {سَبَّحَ للَّهِ} بلفظ الماضي، وفي بعضها {يُسَّبح للهِ} بلفظ المضارع فما المراد؟ قلت: فيه إشارة إلى كون جميع الأشياء مسبحاً لله أبداً، غير مختص بوقت دون وقت، بل هي كانت مسبحة أبداً في الماضي، وستكون مسبحة أبداً في المستقبل {وَهُوَ العزيز الحكيم} أي وهو الغالب على أمره الذي لا يمانعه ولا ينازعه شيء، الحكيمُ في أفعاله الذي لا يفعل إِلا تقتضيه الحكمة والمصلحة. . ثم ذكر تعالى عظمته وقدرته فقال {لَهُ مُلْكُ السماوات والأرض يُحْيِي وَيُمِيتُ} أي هو جلا وعلا المالك المتصرف في خلقه، يحيي من يشاء، ويُميت من يشاء قال القرطبي: يميتُ الأحياء في الدنيا، ويحيي الأموات للبعث والنشور {وَهُوَ على كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} أي لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء، ولفظُ {قَدِيرٌ} مبالغة في القادر لأن «فعيل» من صيغ المبالغة {هُوَ الأول والآخر} أي ليس لوجوده بداية، ولا لبقائه نهاية {والظاهر والباطن} أي الظاهرُ للعقول بالأدلة والبراهين الدالة على وجوده، الباطنُ الذي لا تدركه الأبصار، ولا تصلُ العقول إِلى معرفة كنه ذاته وفي الحديث
«أنت الأولُ فليس قبلك شيء، وأنت الآخر فليس بعدك شيء، وأنت الظاهر فليس فوقك شيء، وأنت الباطن فليس دونك شيء» قال شيخ زاده: وقد فسَّر صاحب الكشاف «الباطن» بأنه غير المدرك بالحواسِ وهو تفسير بحسب التشهي يؤيد مذهبه من استحالة رؤية الله في الآخرة، والحقُّ أنه تعالى ظاهرٌ بوجوده،