صفوه التفاسير (صفحة 1330)

عَن قَوْمٍ لاَّ يُؤْمِنُونَ} [يونس: 101] {فَتَوَلَّ عَنْهُمْ} أي فأعرض يا محمد عن هؤلاء المجرمين وانتظرهم {يَوْمَ يَدْعُ الداع إلى شَيْءٍ نُّكُرٍ} أي يوم يدعو إٍسرافيل إلى شيءٍ منكر فظيع، تنكره النفوس لشدته وهوله، وهو يوم القيامة وما فيه من البلاء والأهوال {خُشَّعاً أَبْصَارُهُمْ} أي ذليلةً أبصارهم لا يستطيعون رفعها من شدة الهول {يَخْرُجُونَ مِنَ الأجداث} أي يخرجون من القبور {كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُّنتَشِرٌ} أي كأنهم في انتشارهم وسرعة إِجابتهم للداعي جرادٌ منتشر في الآفاق، لا يدرون أين يذهبون من الخوف والحيرة قال ابن الجوزي: وإِنما شبههم بالجراد المنتشر، لأن الجراد لا جهة له يقصدها، فهم يخرجون من القبور فزعين ليس لأحدٍ منهم جهة يقصدها، والداعي هو إِسرافيل {مُّهْطِعِينَ إِلَى الداع} أي مسرعين مادّي أعناقهم إِلأى الداعي لا يتلكئون ولا يتأخرون {يَقُولُ الكافرون هذا يَوْمٌ عَسِرٌ} أي يقول الكافرون هذا يوم صعبٌ شديد قال الخازن: وفيه إشارة إِلى أنَّ ذلك اليوم يومٌ شديد على الكفارين لا على المؤمنين كقوله تعالى {عَلَى الكافرين غَيْرُ يَسِيرٍ} [المدثر: 10] . . ثم ذكر تعالى وقائع الأمم المكذبين وما حلَّ بهم من العذاب والنكال تسلية لرسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ تحذيراً لكفار مكة فقال: {كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ} أي كذب قبل قومك يا محمد قومُ نوح {فَكَذَّبُواْ عَبْدَنَا وَقَالُواْ مَجْنُونٌ وازدجر} أي فكذبوا عبدنا نوحاً وقالوا إِنه مجنون، وانتهروه وزجروه عن دعوى النبوة بالسب والتخويف والوعيد بقولهم

{لَئِنْ لَّمْ تَنْتَهِ يانوح لَتَكُونَنَّ مِنَ المرجومين} [الشعراء: 116] قال في البحر: لم يقنعوا بتكذيبه حتى نسبوه إلى الجنون أي أنه يقول ما لا يقبله عاقل وذلك مبالغة في تكذيبهم، وإنما قال {عَبْدَنَا} تشريفاً له وخصوصية بالعبودية {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فانتصر} أي فدعا نوح ربه وقال يا ربّ إني ضعيف عن مقاومة هؤلاء المجرمين، فانتقم لي منهم وانتصر لدينك قال أبو حيان: وإنما دعا عليهم بعدما ئيس منهم وتفاقم أمرهم، وكان الواحد من قومه يخنقه إِلى أن يخر مغشياً عليه وهو يقول: اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون {فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ السمآء بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ} أي فأرسلنا المطر من السماء منصباً بقوة وغزارة قال أبو السعود: وهو تمثيلٌ لكثرة الامطار وشدة انصبابها {وَفَجَّرْنَا الأرض عُيُوناً} أي جعلنا الأرض كلها عيوناً متفجرة بالماء {فَالْتَقَى المآء على أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} أي فالتقى ماء السماء وماء الأرض على حالٍ قد قدَّرها الله في الأزل وقضاها بإِهلاك المكذبين غرقاً قال قتادة: قضي عليهم في أم الكتاب إِذا كفروا أن يُغرقوا {وَحَمَلْنَاهُ على ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} أي وحملنا نوحاً على السفينة ذات الألواح الخشبية العريضة المشدودة بالمسامير قال في البحر: وذات الألواح والدُّسر هي السفينة التي أنشأها نوح عليه السلام، ويفهم من هذين الوصفين أنها «السفينة» فهي صفة تقوم مقام الموصوف وتنوبعنه ونحوه: قميصي مسرودة من حديد أي درع، وهذا من فصيح الكلام وبديعه، ولو جمعت بين الصفة والموصوف لم يكن بالفصيح، والدُّسُر: المسامير {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} أي تسير على وجه الماء بحفظنا وكلاءتنا وتحت رعايتنا {جَزَآءً لِّمَن كَانَ كُفِرَ} أي أغرقنا قوم نوح انتصاراً لعبدنا نوح لأنه كان قد كُذِّب وجُحد فضله قال الألوسي: أي فعلنا ذلك جزاء لنوح

طور بواسطة نورين ميديا © 2015