متراكم بعضُه فوق بعض قد سقط علينا قال أبو حيان: كانت قريشٌ قد اقترحت على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فيما اقترحت من قولهم {أَوْ تُسْقِطَ السمآء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفاً} [الإِسراء: 92] فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً حسب اقتراحهم لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه ويقولوا: هو سحابٌ مركوم أي سحاب تراكم بعضه فوق بعض ممطرنا، وليس بكسفٍ ساقطٍ للعذاب {فَذَرْهُمْ حتى يُلاَقُواْ يَوْمَهُمُ الذي فِيهِ يُصْعَقُونَ} أي اتركهم يا محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب يوم القيامة الذي يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم {يَوْمَ لاَ يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} أي يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا ولا يدفع عنهم شيئاً من العذاب {وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} أي ولا هم يُمنعون من عذاب الله في الآخرة {وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُواْ عَذَاباً دُونَ ذَلِكَ} أي وإن للذين كفروا عذاباً شديداً في الدنيا قبل عذاب الآخرة قال ابن عباس: هو عذاب القبل وقال مجاهد: هو الجوعن والقحط سبع سنين {ولكن أَكْثَرَهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون أن العذاب نازل بهم {واصبر لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي اصبرْ يا محمد على قضاء ربك وحكمه، فيما حمَّلك به من إعباء الرسالة {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} أي فإِنك بفحظنا وكلاءتنا نحرسك ونرعاك {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أي ونزَّه ربك عما لا يليق به من صفات النقص حين تقوم من منامك ومن كل مجلس بأن تقول: سبحان الله وبحمده قال ابن عباس: أي صلِّ للهِ حين تقومُ من منامك {وَمِنَ الليل فَسَبِّحْهُ} أي ومن الليل فاذكره واعبده بالتلاوة والصلاة والناسُ نيام كقوله
{وَمِنَ الليل فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ} [الإِسراء: 79] {وَإِدْبَارَ النجوم} أي وصلِّ له في آخر الليل حين تدبر وتغيب النجوم بضوء الصبح قال ابن عباس: هما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر وفي الحديث «ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها» .
البَلاَغَة: تضمنت السورة الكريمة وجوهاً من البيان والبديع نوجزها فيما يلي:
1 - جناس الاشتقاق {تَمُورُ السمآء مَوْراً} [الطور: 9] و {تَسِيرُ الجبال سَيْراً} [الطور: 10] .
2 - الإِهانة والتوبيخ {اصلوها فاصبروا أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} [الطور: 16] وبين قوله {اصبروا} وقوله {أَوْ لاَ تَصْبِرُواْ} طباق السلب وهو من المحسنات البديعية.
3 - التشبيه المرسل المجمل {كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَّكْنُونٌ} [الطور: 24] حذف منه وجه الشبه فهو مجمل.
4 - الاستعارة التبعية {رَيْبَ المنون} شبهت حوادث الدهر بالريب الذي هو الشك بجامع التحير وعدم البقاء على حالة واحدة في كلٍ منهما واستعير لفظ الريب لصروف الدهر ونوائبه بطريق الاستعارة التبعية.
5 - الأسلوب التهكمي {أَمْ تَأْمُرُهُمْ أَحْلاَمُهُمْ بهاذآ} ؟ هذا بطريق التهكم والسخرية بعقولهم.
6 - الالتفات من الغيبة إلى الخطاب لزيادة التوبيخ والتقريع لهم {أَمْ لَهُ البنات وَلَكُمُ البنون} ؟ .
7 -