صفوه التفاسير (صفحة 1275)

صان كلاً من الفريقين وأوجد بينهم صلحاً، فيه خيرة للمؤمنين وعاقبة لهم في الدنيا والآخرة {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} أي من بعد ما أخذتموهم أسارى وتمكنتم منهم قال الجلال: وذلك أن ثمانين من المشركين طافوا بعسكر المؤمنين ليصيبوا منهم، فأخذوا وأُتي بهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فعفا عنهم وخلَّى سبيلهم، فكان ذلك بسبب الصلح وقال في التسهيل: وروي في سببها أن جماعةً من فتيان قريش خرجوا إلى الحديبية، ليصيبوا من عسكر رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ، فبعث إليهم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ خالد بن الوليد في جمناعةٍ من المسلمين فهزموهم وأسروا منهم قوماً، وساقوهم إلى رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فأطلقهم، فكفَّ أيدي الكفار هو هزيمتهم وأسرهم، وكفُّ أيدي المؤمنين عن الكفار هو إطلاقهممن الأسر وسلامتهم من القتل {وَكَانَ الله بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيراً} أي هو تعالى بصير بأعمالكم وأحوالكم، يعلم ما فيه مصلحة لكم، ولذلك حجزكم عن الكافرين رحمةً بكم، وحرمةً لبيته العتيق لئلا تسفك فيه الدماء. . ثم ذكر تعالى استحقاق المشركين للعذاب والدمار فقال {هُمُ الذين كَفَرُواْ وَصَدُّوكُمْ عَنِ المسجد الحرام} أي هم كفار قريش المعتدون الذين كفروا بالله والرسول، ومنعوا المؤمنين عن دخول المسجد الحرام لأداء مناسك العمرة عام الحديبية {والهدي مَعْكُوفاً أَن يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} أي وصدُّوا الهدي أيضاً وهو ما يُهدى لبيت الله لفقراء الحرم معكوفاً أي محبوساً عن أن يبلغ مكانه الذي يذبح فيه وهو الحرم قال القرطبي: يعني قريشاً منعوا المسلمين من دخول المسجد الحرام عام الحديبية، حين أحرم رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ مع أصحابه بالعمرة، ومنعوا الهدي وحبسوه عن أن يبلغ محله، وهذا كانوا لا يعتقدونه، ولكنه حملتهم الأنفة ودعتهم الحمية الجاهلية علىأن يفعلوا ما لا يعتقدونه ديناً، فوبخهم الله على ذلك وتوعَّدهم عليه، وأدخل الأنس على رسول الله ببيانه ووعده {وَلَوْلاَ رِجَالٌ مُّؤْمِنُونَ وَنِسَآءٌ مُّؤْمِنَاتٌ} أي ولولا أن في مكة رجالاً ونساءً من المؤمنين المستضعفين، الذين يخفون إِيمانهم خوفاً من المشركين {لَّمْ تَعْلَمُوهُمْ} أي لا تعرفونهم بأعيانهم لاختلاطهم بالمشركين {أَن تَطَئُوهُمْ فَتُصِيبَكُمْ مِّنْهُمْ مَّعَرَّةٌ بِغَيْرِ عِلْمٍ} أي كراهة أن توقعوا بهم وتقتلوا منهم دون علم منكم بإِيمانهم، فينالكم بقتلهم إِثم وعيب وجواب «لولا» محذوفٌ تقديره: لأذن لكم في دخول مكة، ولسلَّطكم على المشركين قال الصاوي: والجواب محذوف قدَّره الجلال بقوله: لأذِنَ لكم في الفتح، ومعنى الآية: لولا كراهة أن تُهلكوا أناساً مؤمنين بين أظهر الكفار، حال كونكم جاهلين بهم فيصيبكم بإِهلاكهم مكروه لما كفَّ أيديكم عنهم، ولأذن لكم في فتح مكة {لِّيُدْخِلَ الله فِي رَحْمَتِهِ مَن يَشَآءُ} أي إنما فعل ذلك ليخلّص المؤمنين من بين أظهر المشركين، وليرجع كثيرٌ منهم إلى الإِسلام قال القرطبي: أي لم يأذن الله لكم في قتال المشركين، ليُسلم بعد الصلح من قضى أن يُسلم من أهل مكة، وكذلك كان، أسلم كير منهم وحسن إِسلامُه، ودخلوا في رحمته وجنته {لَوْ تَزَيَّلُواْ لَعَذَّبْنَا الذين كَفَرُواْ مِنْهُمْ عَذَاباً أَلِيماً} أي لو تفرقوا وتميَّز بعضهم عن

طور بواسطة نورين ميديا © 2015