صفوه التفاسير (صفحة 1188)

وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَآئِي} ؟ أي ويوم القيامة ينادي الله المشركين أين شركائي الذين زعمتم أنهم آلهة؟ وفي تقريعٌ وتهكمٌ بهم {قالوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِن شَهِيدٍ} أي قال المشركون: أعلمناك وأخبرناك الآن بالحقيقة ما مّنا من يشهد اليوم بأنَّ لك شريكاً في المفسرون: لما عاينوا القيامة تبرءوا من الأصنام وتبرأت الأصنم منهم أي وأعلنوا إيمانهم وتوحيدهم في وقت لا ينفع فيه إِيمان {وَضَلَّ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَدْعُونَ مِن قَبْلُ} أي وغاب عنهم ما كنوا يعبدونه في الدنيا من الآلهة المزعومة {وَظَنُّواْ مَا لَهُمْ مِّن مَّحِيصٍ} أي وأيقنوا أنه لا مهرب ولا مخلص لهم من عذاب الله {لاَّ يَسْأَمُ الإنسان مِن دُعَآءِ الخير} أي لا يملُّ الإِنسان من سؤاله ودعائه بالخير لنفسه، كالمال والصحة العز والسلطان {وَإِن مَّسَّهُ الشر فَيَئُوسٌ قَنُوطٌ} أي وإن أصابه فقر أو مرض فهو عظيم اليأس، قانطاٌ من ورح الله ورحمته {وَلَئِنْ أَذَقْنَاهُ رَحْمَةً مِّنَّا مِن بَعْدِ ضَرَّآءَ مَسَّتْهُ} أي ولئن أعطيناه غنى وصحة من بعد شدة وبلاء {لَيَقُولَنَّ هذا لِي} أي ليقولنَّ هذا بسعْيي واجتهادي قال أبو حيان: سمَّى النعمة رحمة إذ هي من آثار رحمة الله {وَمَآ أَظُنُّ الساعة قَآئِمَةً} أي وما أعتقد أن القيامة ستكون {وَلَئِن رُّجِعْتُ إلى ربي إِنَّ لِي عِندَهُ للحسنى} أي وعلى فرض أن القيامة حاصلة، فليحسننَّ إليَّ ربي كما أحسن إليَّ في هذه الدنيا قال ابن كثير: يتمنى على الله عَزَّ وَجَلَّ مع إساءته العمل وعدم اليقين {فَلَنُنَبِّئَنَّ الذين كَفَرُواْ بِمَا عَمِلُواْ} أي فواللهِ لنعلِمنَّ هؤلاء الكافرين بحقيقة أعمالهم، ولنبصرنَّهم بإِجرامهم {وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِّنْ عَذَابٍ غَلِيظٍ} أي ولنعذبنَّهم أشد العذاب، وهو الخلود في نار جهنم {وَإِذَآ أَنْعَمْنَا عَلَى الإنسان أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ} أي وإذا أنعمنا على الإِنسان أعرض عن شكر ربه، واستكبر عن الانقياد لأوامره، وشمخ بأنفه تكبراً وترفعاً {وَإِذَا مَسَّهُ الشر فَذُو دُعَآءٍ عَرِيضٍ} أي وإِذا أصابه المكروه فهو ذو دعاء كثير، يديم التضرع ويكثر من الابتهال، وهكذا طبيعة الإِنسان الجحود والنكران، يعرف ربه في البلاء وينساه في الرخاء قال الرازي: استعير العرض لكثرة الدعاء، كما استعير الغلظ لشدة العذاب {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ الله ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ} أي قل لهم يا محمد: أخبروني يا معشر المشركين، إن كان هذا القرآن من عند الله، وكفرتم به من غير تأمل ولا نظر، كيف يكون حالكم؟ {مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ} الاستفهام إِنكاري بمعنى النفي أي لا أحد أضلُ منكم لفرط شقاقكم وعداوتكم، قال أبو السعود: وضع الموصول «من أضلُّ» موضع الضمير «منكم» شرحاً لحالهم، وتعليلاً لمزيد ضلالهم {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا} أي سنظهر لهؤلاء المشركين دلالاتنا وحجبنا عل أن القرآن حقٌ منزل من عند الله {فِي الآفاق} أي في أقطار السمواتِ والأرض من الشمس والقمر والنجوم، والأشجار والنبات وغير ذلك من العجائب العلوية والسفلية {وفي أَنفُسِهِمْ} أي وفي عجائب قدرة الله في خلقهم وتكوينهم قال القرطبي: المراد ما في أنفسهم من لطيف الصنعة، وبديع الحكمة، حتى سبيل الغائط والبول، فإِن الرجل يأكل ويشرب من مكان واحدٍ، ويتميز ذلك من مكانين، ومن بديع صنعة الله وحكمته في غينيه اللتين هما قطرة ماء، ينظر بهما من الأرض إلى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015