صفوه التفاسير (صفحة 1178)

الخير، ولا يتصدقون ولا ينفقون في طاعة الله قال القرطبي: قرَّعهم بالشح الذي يأنف منه الفضلاء، وفي الآية دلالة على أن الكافر يُعذَّب بمنع الزكاة مع عذابه على كفره وقال ابن عباس: المراد زكاة الأنفس والمعنى: لا يطهرون أنفهسم من الشرك بالتوحيد، ولا يقولون لا إله الله {وَهُمْ بالآخرة هُمْ كَافِرُونَ} أي كفروا بالبعث والنشور، وكذَّبوا بالحساب والجزاء قال الصاوي: وإنما خصَّ منع الزكاة وقرنه بالكفر بالآخرة، لأن المال شقيق الروح فإِذا بذله الإِنسان في سبيل الله كان دليلاً على قوته وثباته في الدين {إِنَّ الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ} لما ذكر حال الكفار ووعيدهم، أردفه بذكر حال المؤمنين وما لهم من الوعد الكريم والمعنى الذين صدَّقوا الله ورسوله، وجمعوا بين الإِيمان والعمل الصالح، لهم في الآخةر أجرٌ غير مقطوع عند ربهم، بل هو دائم مستمر بدوام الجنة، ثم ذكر تعالى دلائل قدرته ووحدانيته فقال {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بالذي خَلَقَ الأرض فِي يَوْمَيْنِ} الاستفهام للتوبيخ والتعجب أي كيف تكفرون بالله وهو الإِلهُ العليُّ الشأن، القادر على كل شيء، خالقُ الأرض في يومين؟ {وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَاداً} أي تجعلون له شركاء وأمثالاً تعبدنها معه {ذَلِكَ رَبُّ العالمين} أي ذلك الخالق المبدع هو ربُّ العالمين كلهم، فكيف يجوز جعل الأصنام الخسيسة شركاء له في الإِلهية والمعبودية؟ قال الصاوي: الاستفهام {أَإِنَّكُمْ} للإِنكار والتشنيع عليهم المعنى: أنتم تعلمون أنه لا شريك له في العالم العلوي والسفلي، فكيف تجعلون له شريكاً؟ {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِن فَوْقِهَا} أي جعل في الأرض جبالاً ثوابت لئلا تميد بالبشر {وَبَارَكَ فِيهَا} أي أكثر خيرها بما جعل فيها من المياه، والزروع، والضروع {وَقَدَّرَ فِيهَآ أَقْوَاتَهَا} أي قدَّر أرزاق أهلها ومعاشهم قال مجاهد: خلق فيها أنهارها وأشجارها ودوابها {في أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَآءً لِّلسَّآئِلِينَ} اي في تمام أربعة أيام كاملة مستوية بلا زيادة ولا نقصان، للسائلين عن مدة خلق الأرض وما فيها {ثُمَّ استوى إِلَى السمآء وَهِيَ دُخَانٌ} أي عمد إلى خلقها وقصد إلى تسويتها وهي بهيئة الدخان قال ابن كثير: والمراد بالدخان بخار الماء المتصاعد منه حين خلقت الأرض {فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ ائتيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً} أي استجيبا لأمري طائعتين أو مكرهتين {قَالَتَآ أَتَيْنَا طَآئِعِينَ} أي قالت السموات والأرض أتينا أمرك طائعين قال الزمخشري: وهذا على التمثيل أي أنه تعالى أراد تكوينهما فلم يمتنعا عليه، وكانتا في ذلك كالمأمور المطيع إرا ورد عليه أمر الآمر المُطاع، والغرضُ تصوير أثر قدرته في المقدورات من غير أن يكون هناك خطاب وجواب، ومثله قول القائل: قال الحائطُ للمسمار لم تشقني؟ قل: سلْ من يدُقُّني، وروي عن ابن عباس قال قال الله تعالى

طور بواسطة نورين ميديا © 2015