صفوه التفاسير (صفحة 1124)

جَسَداً ثُمَّ أَنَابَ} هذه إشارة إلى ابتلاء آخر لسليمان ابتلي به، ثم تاب وأناب من تلك الهفوة والزلة، ولعلَّ هذه الفتنة ما روي في الصحيح عن أبي هريرة أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قال: «قال سليمان: لأطوفنَّ الليلة على سبعين امرأة، كلُّ واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله ولم يقل: إن شاء الله فطاف عليهم فلم تحمل إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفسي بيده: لو قال إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون»

قال ابن كثير: «وقد ِأورد بعضُ المفسرين أثاراً كثيرة عن جماعةٍ من السلف، وأكثرها أوكلُّها متلقاة من الإِسرائيليات، وفي كثير منها كارة شديدة» واختار الإِمام الفخر أن الفتنة المذكورة في الآية الكريمة يقصد بها فتنته في جسده، حيث إن سليمان ابتلي بمرضٍ شديد نحل منه وضعف، حتى صار لشدة المرض كأنه جسد ملقى على كرسي، قال والعرب تقول في الضعيف: إنه لحم على وضم، وجسم بلا روح، ثم أناب أي رجع إلى حالة الصحة {قَالَ رَبِّ اغفر لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لاَّ يَنبَغِي لأَحَدٍ مِّن بعدي} أي اغفر لي ما صدر مني وأعطني ملكاً واسعاً لا يكون لأحدٍ غيري ليكون دلالة على نبوتي {إِنَّكَ أَنتَ الوهاب} أي واسع الفضل كثير العطاء {فَسَخَّرْنَا لَهُ الريح} أي فذللنا الريح لطاعته إجابةً لدعوته {تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَآءً حَيْثُ أَصَابَ} أي تسير بأمره لينةً طيبة حيث قصد وأراد {والشياطين كُلَّ بَنَّآءٍ وَغَوَّاصٍ} أي وسخرنا له الشياطين كذلك تعمل بأمره، منهم من يستخدمه لبناء الأبنية الهائلة العجيبة، ومنهم من يغوص في البحار لاستخراج اللؤلؤ والمرجان {وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأصفاد} أي وآخرين من الشياطين وهم المردة موثوقون في الأغلال، مربوطون بالقيود والسلاسل لكفرهم وتمردهم عن طاعة سليمان {هذا عَطَآؤُنَا فامنن أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ} أي وقلنا له: هذا عطاؤنا الواسع لك، فأعطٍ من شئت وامنعْ من شئت، لا حساب عليك في ذلك، لأنك مطلق اليد فيما وهب الله لك الواسع لك من سلطة ومن نعمة {وَإِنَّ لَهُ عِندَنَا لزلفى وَحُسْنَ مَآبٍ} أي وإنّ له عندنا لمكانة رفيعة في الدنيا، وحسن مرجع في الآخرة {واذكر عَبْدَنَآ أَيُّوبَ} هذه هي القصة الثالثة في هذه السورة، والإِضافة للتشريف أي اذكر يا محمد عبدنا الصالح أيوب عليه السلام، الذي ابتلي بأنواع البلاء فصبر. {إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الشيطان بِنُصْبٍ وَعَذَابٍ} أي حين نادى ربه متضرعاً إليه قائلاً إني مسني الشيطان بتعبٍ ومشقة، وألمٍ شديد في بدني قال المفسريون: وإِنما نسبَ ذلك إلى الشيطان تأدباً مع الله تعالى، وإنْ كانت الأشياء كلها خيرها وشرها

طور بواسطة نورين ميديا © 2015