واحدة ينفخ فيها إسرافيل في الصور للقيام من القبور {فَإِذَا هُمْ يَنظُرُونَ} أي فإِذا هم قيامٌ في أرض المحشر ينظر بعضهم إلى بعض قال القرطبي: الزجرةُ: الصيحةُ وهي النفخةُ الثانية، وسميت زجرة لأن مقصودها الزجر، كزجر الإِبل، والخيل عند السَّوق.
. ثم أخبر تعالى عن حسرتهم وندامتهم عند معاينتهم مأهوال القيامة فقال {وَقَالُواْ ياويلنا هذا يَوْمُ الدين} أي يا هلاكنا وخسارتنا هذا يوم الجزاء والحساب!! فتقول لهم الملائكة على سبيل التوبيخ والتقريع {هذا يَوْمُ الفصل الذي كُنتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ} أي هذا يوم الفصف بين الخلائق الذي كنتم تنكرونه وتكذبون به قال البيضاوي: الفصلُ: القضاءُ والتفريق بين المحسن والمسيء {احشروا الذين ظَلَمُواْ وَأَزْوَاجَهُمْ} أي اجمعوا الظالمين وأشباههم من العصاة والمجرمين، كل إنسان مع نظرائه قال القرطبي: الزاني مع الزاني، وشارب الخمر مع شارب الخمر، والسارق مع السارق وقال ابن عباس: اجمعوا الظالمين ونساءهم الكافرات، وعنه المراد به أشباههم من العصاة {وَمَا كَانُواْ يَعْبُدُونَ مِن دُونِ الله} أي وما كانوا يعبدون من الأوثان والأصنام، وذلك زيادةً في تحسيرهم وتخجيلهم {فاهدوهم إلى صِرَاطِ الجحيم} أي فعرفوهم طريق الجحيم ووجهوهم إليها، وفي لفظ {اهدوهم} تهكم وسخرية، فإذا لم يهتدوا في الدنيا إلى الصراط المستقيم، فليهتدوا اليوم إلى صراط الجحيم {وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَّسْئُولُونَ} أي احبسوهم عند الصراط لأنهم سيسألون عن جميع أقوالهم وأفعالهم، ثم يقال لهم على سبيل التقريع والتوبيخ {مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ} أي ما لكم لا ينصر بعضكم بعضاً وأنتم هنا جميعاً؟ وكلكم في حاجة إلى الناصر والمعين؟ قال المفسرون: هذا إشارة إلى قول أبي جهل يوم بدر «نحن جميعٌ منتصر» وأصل {تناصرون} تتناصرون حذفت إحدى التاءين تخفيفاً، قال تعالى {بَلْ هُمُ اليوم مُسْتَسْلِمُونَ} أي بل هم اليوم أذلاء منقادون، عاجزون عن الانتصار، سواء منهم العابدون والمعبودون {وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ على بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ} أي أقبل الرؤساء والأتباع يتلاومون ويتخاصمون قال أبو السعود: وسؤالهم إنما هو سؤال توبيخ بطريق الخصومة والجدال {قالوا إِنَّكُمْ كُنتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ اليمين} أي قال الأتباع منهم للمتبوعين: إِنكم كنتم تأتوننا من قبل الحقِّ، وتزينون لنا الباطل، وتصدوننا عن اتباع طريق الهدى قال الطبري: أي كنتم تأتوننا من قبل الدين والحق، فتخدعوننا بأقوى الوجوه، قال: واليمين في كلام العرب: القوه والقدرة كقول الشاعر:
إِذا ما رايةٌ رفعت لمجدٍ ... تلقَّاها عرابةُ باليمين
وقيل: المراد تأتوننا بطريق الوسوسة عن يميننا كما هو المعتاد في حالة الوسوسة بالأسرار