صفوه التفاسير (صفحة 1053)

فها قد وردتموها، ثم بيَّن تعالى لوناً آخر من كفرهم وضلالهم فقال: {وَإِذَا تتلى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ} أي وإِذا تُليت على هؤلاء المشركين آيات القرآن واضحات المعاني، بينات الإعجاز، وسمعوها غضة طريةً من السان رسولنا محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {قَالُواْ مَا هذا إِلاَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَن يَصُدَّكُمْ عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَآؤُكُمْ} أي ما هذا الذي يزعم الرسالة إلا رجلٌ مثلكم يريد أن يمنعكم عمَّا كان يعبد أسلافكم من الأوثان والأصنام {وَقَالُواْ مَا هاذآ إِلاَّ إِفْكٌ مُّفْتَرًى} أي ما هذا القرآن إلا كذبٌ مختلق على الله {وَقَالَ الذين كَفَرُواْ لِلْحَقِّ لَمَّا جَآءَهُمْ إِنْ هاذآ إِلاَّ سِحْرٌ مُّبِينٌ} أي وقال أولئك الكفرة المتمردون بجراءتهم على الله ومكابرتهم للحقِّ النيّر: ما هذا القرآن إلا سحرٌ واضح ظاهر لا يخفى على لبيب، وقال الزمخشري: وفيه تعجيب من أمرهم بليغ، حيث بتّوا القضاء على أنه سحر، ثم بتّوه على أنه بيِّن ظاهر، كل عاقلٍ تأمله سمَّاه سحراً وفي قوله: {لَمَّا جَآءَهُمْ} المبادهة بالكفر من غير تأمل، ثم بيَّن تعالىأنهم لم يقولوا ذلك عن بينة، ولم يكذبوا محمداً عن يقين، بل عن ظنٍّ وتخمين فقال: {وَمَآ آتَيْنَاهُمْ مِّنْ كُتُبٍ يَدْرُسُونَهَا} أي وما أنزلنا على أهل مكة كتاباً قبل القرآن يقرؤون فيه ويتدارسونه {وَمَآ أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِّن نَّذِيرٍ} أي وما بعثان إليهم قبلك يا محمد رسولاً ينذرهم عذابالله، فمن أين كذبوك؟ قال الطبريك أي ما أنزل الله على العرب كتاباً قبل القرآن، ولا بعث إليه نبياً قبل محمد صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ {وَكَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبلِهِمْ وَمَا بَلَغُواْ مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} أي وكذَّب قبلهم أقوام من الأمم السابقين وما بلغ كفار مكة عشر ما آتينا الأمم التي كانت قبلهم من القوة والمال وطول العمر، قال ابن عباس: {مِعْشَارَ مَآ آتَيْنَاهُمْ} أي من القوة في الدنيا {فَكَذَّبُواْ رُسُلِي فَكَيْفَ كَانَ نَكِيرِ} أي وحيث كذبوا رسلي جاءهم إنكاري بالتدمير والاستئصال، ولم يُغن عنهم ما كانوا فيه من القوة، فكيف حال هؤلاء إذا جاءهم العذاب والهلاك؟ وفيه تهديدٌ لقريش {قُلْ إِنَّمَآ أَعِظُكُمْ بِوَاحِدَةٍ} أي قل يا محمد لهؤلاء المشركين إنما أنصحكم وأوصيكم بخصلةٍ واحدة ثم فسرها بقوله: {أَن تَقُومُواْ لِلَّهِ مثنى وفرادى} أي هي أن تتحرَّوا الحق لوجه الله والتقرب له مجتمعين ووحداناً، أو اثنين اثنين وواحداً وواحداً، قال القرطبي: وهذا القيام إلى طلب الحق، لا القيام الذي هو ضدُّ القعود {ثُمَّ تَتَفَكَّرُواْ مَا بِصَاحِبِكُمْ مِّن جِنَّةٍ} أي ثم تتفكروا في أمر محمد لتعلموا أن من ظهر على يديه هذا الكتاب المعجز لا يمكن أن يكون مسٌّ من الجنون أو يكون مجنوناً، قال أبو حيان: ومعنى الآية: إنما أعظكم بواحدة فيها إصابتكم الحقِّ وهي أن تقوموا لوجه الله متفرقين اثنين اثنين، وواحداً واحداً، ثم تتكروا في أمر محمد وما جاء به، وإنما قال {مثنى وفرادى} لأن الجماعة يكون من اجتماعهم تشويش الخاطر والمنع من التفكر، كما يكون في الدروس التي يجتمع بها الجماعة، وأما الاثنان إذا نظرا نظر إنصاف وعرض كل واحدٍ منهما على صاحبه ما ظهر له فلا يكاد الحقُّ أن يعدوهما، وإذا كان الواحد جيّد الفكر عرف الحق، فإذا تفكروا عرفوا أن نسبته عليه السلام للجنون لا يمكن، ولا يهذب إلى ذلك عاقل {إِنْ هُوَ إِلاَّ نَذِيرٌ لَّكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ} أي ما هو إلا رسول منذر لكم إن كفرتم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015