حاذى المياه العذبة والبحر من الأرض مأخوذ من عراقي الدلو، والشَّحر مأخوذ من شحر الأرض وهو سبخ الأرض ومنابت الحموض وسنفصل صفة كل شق من هذه البلدان المنفردة بأسمائها، فما كل منها من بلد ضيق استوعبنا ما فيه مثل العروض ونجران، وما كان من بلد واسع تزيد أقل أجزائه على أكثر العروض فإنا نصفه صفة عامة متجاوزة ولا نسع غير ذلك لسعة البلاد وكثرة المساكن.
سميت اليمن الخضراء لكثرة أشجارها وثمارها وزروعها، والبحر مطيف بها من المشرق إلى الجنوب فراجعاً إلى المغرب، ويفصل بينها وبين باقي جزيرة العرب خط يأخذ من حدود عُمان ويبرين إلى حد ما بين اليمن واليمامة فإلى حدود الهجيرة وتثليت وأنهار جرش وكتنة، منحدراً في السراة على شعف عنز، إلى تهامة على أم جحدم، إلى البحر حذاء جبل يقال له كدمُّل، بالقرب من حمضة، وذلك حد ما بين بلد كنانة واليمن من بطن تهامة، وأول إحاطة البحر باليمن من ناحية دما فطنوى فالجمجة فرأس الفرتك فأطراف جبال اليحمد وما سقط وانقاد منها إلى ناحية الشِّحر فالشِّحر فغبّ الخيس فغب الغيث بطن من مهرة فغب القمر زنة قمر السماء فغب العقار بطن من مهرة فالخيرج فالأسعاء، وفي المنتصف من هذا الساحل شرقاً بين عُمان وعدن ريسوت، وهو موئل كالقلعة بل قلعة مبنية بنياناً على جبل، والبحر محيط بها إلا من جانب واحد فالبر، فمن أراد عدن فطريقه عليها فإن أراد أن يدخل دخل وإن أراد جاز الطريق ولم يلو عليها. وبين الطريق الذي يفرق إليها والطريق المسلوك إلى عُمان مقدار ميل، وبها سكن من الأزد من بني جديد وقد كان قوم من القمر في أول عصرنا بيَّتوا من بها ليلاً فقتلوا، فممن قتل بها رجل يقال له: عمرو بن يوسف الجديدي من رؤوس أهلها أزدي، والذين أبلوا ذاك من القمر بنو خنزريت وأخرجوا من بقي من أهلها منها فتفرقوا إلى بلاد الغيث