قرطبة

قاعدة الأندلس، أم مدائنها ومستقر خلافة الأمويين بها، وآثارهم بها ظاهرة، وفضائل قرطبة ومناقب خلفائها أشهر من أن تذكر؛ وهم أعلام البلاد، وأعيان الناس؛ اشتهروا بصحة المذهب، وطيب المكسب، وحسن الزى، وعلو الهمة، وجميل الأخلاق؛ وكان فيها أعلام العلماء، وسادة الفضلاء؛ وتجارها مياسير، وأحوالهم واسعة؛ وهي في ذاتها مدن خمس يتلو بعضها بعضاً، وبين المدينة والمدينة سور حاجز؛ وفي كل مدينة ما يكفيها من الأسواق والفنادق والحمامات وسائر الصناعات؛ وطولها من غربيها إلى شرقيها ثلاثة أميال، وعرضها من باب القنطرة إلى باب اليهود ميل واحد. وهي في سفح جبل مطلٍ عليها، يسمى جبل العروس، ومدينتها الوسطى هي التي فيها باب القنطرة.

وفيها المسجد الجامع المشهور أمره، الشائع ذكره؛ من أجل مصانع الدنيا كبر مساحةٍ، وأحكام صنعةٍ، وجمال هيئةٍ، وإتقان بنيةٍ؛ تهمم به الخلفاء المروانيون، فزادوا فيه زيادةً بعد زيادة، وتتميماً إثر تتميم، حتى بلغ الغاية في الإتقان، فصار يحار فيه الطرف، ويعجز عن حسنه الوصف؛ فليس في مساجد المسلمين مثله تنميقاً وطولاً وعرضاً؛ طوله مائة باع، وعرضه ثمانون باعاً، ونصفه مسقف، ونصفه صحن بلا سقف؛ وعدد قسى مسقفه تسع عشرة قوساً، وسوارى مسقفه بين أعمدته وسوارى قببه صغاراً وكباراً مع سوارى القبلة الكبرى وما يليها ألف ساريةٍ؛ وفيه مائة وثلاث

طور بواسطة نورين ميديا © 2015