العاقل والمدائن مفتاحا؛ فاستخرنا الله تعالى على منازلته وقلنا: هو يمين صاحب قشتالة إن قطعت قعد مقعد الذليل، ونظنه عبرة إن لم يتحرك لها فقد قام على ضعفه أوضح دليل؛ ونحن في ذلك برءاء من القوة والحول، ونتوكل على الله ذي الفضل والطول؛ فقبل النزول من السروج، ووضع الهند والوشيج؛ حباهم الله بكل ضرب وجيع، وموت حي سريع؛ وملكوا عليهم أرباضهم وكانت من الذروة إلى البطحاء، فأضرموها ناراً من جميع الأنحاء؛ ونسخوا فيا آية النهار بالظلماء؛ فألقوا يد الاستسلام، وذلوا لعزة الإسلام؛ ورغبوا في أمد يقيمون فيه الحجة على صاحبهم فأذنا لرسلهم في التوجه إليه، لعلنا أن ذلك أشد من وقع السيوف عليه؛ فحينئذ وافته رسلهم اعترف لهم بالصغار، وقلة القوة على الانتصار، وفارقوه على تسليم الدار، لمن له عقبى الدار؛ فنبذنا إليهم بأنفسهم احتقارا، وساروا إلى قومهم يحملون هموماً طوالاً وآمالاً قصارا؛ وعلى أثرهم طهر الله تعالى المعقل من الأدران، ورقيت أعاليه ألوية الإيمان، وبدل الله عز وجل فيه الناقوس بالأذان، وحولنا كنيسةً مسجداً ومنبراً على تقوى من الله ورضوان.
بالأندلس، بقرب مدينة لبلة، وهي جزيرة، لا سور لها ولا حظيرة، إنما هي بنيان متصل بعضه ببعض، وبها دار صناعة الحديد الذي يعجز عن صنعه أهل البلاد لجفائه، وهي صنعة المراسى التي ترسوبها السفن، وقد تغلب عليها المجوس مرات، ويحيط بجزيرة شلطيش البحر من كل ناحية، إلا مقدار نصف رمية حجرٍ هناك