طلعت الشمس من أقصى مطالعها في الشتاء قابلته عند بزوغها وهو الباب القبلي؛ وإذا غربت قابلت الباب الذي بإزائه من الجانب الغربي.
وهذه المدينة على خمسة أنهار. وسرقسطة واسعة الخطة لا تعرف بالأندلس مدينة تشبهها، وقيل تعرف بالبيضاء لأن أسوارها القديمة من حجر الرخام الأبيض؛ وكان الذي بنى المسجد الجامع بسرقسطة ووضع محرابه حنش بن عبد الله الصنعاني، فلما زيد فيها، هدم الحائط القبلي، غير المحراب، فإنه احتفر من جوانبه حتى انتهى إلى قواعده، فأعملت الحيلة في حمله على الخشب وجره إلى الموضع الذي هو فيه اليوم، فتصدع وبنى عليه وحواليه البناء الذي هو باقٍ إلى الآن؛ وتوفي حنش هذا وعلى بن رباح اللخمى، وهما من جلة التابعين، بمدينة سرقسطة، وقبراهما معروفان بمقبرة باب القبلة، وكان بعض من مضى من الملوك أراد أن يتخذ عليها مشهداً، ويبنى فوقها مصنعاً، فلما اعتزم ذلك أتته امرأة معروفة بالصلاح والأمانة، موسومة بالعدالة، فأخبرته أنها رأتهما فيما يرى النائم. وأخبراها أنهما يكرهان أن يبنى على قبرهما شيء. فرجع عن ذلك الأمر الذي كان هم به.
ومدينة سرقسطة أطيب البلدان بقعةً، وأكثرها ثمرة، لكثرة الفواكه في بساتينهم، حتى لا يقوم ثمنها بمؤنة نقلها لرخصها. فيتخذونها سرجيناً يدمنون به أرضهم؛ وربما بيع فيها وسق القارب من التفاح بما تباع به الأرطال اليسيرة في غيرها.
ومما خصت به سرقسطة معدن الملح الدراني، الذي لا يوجد مثله في مكان ولا يعدل به.
وأخذ النصارى سرقسطة من يد المسلمين سنة 512، بعد أن حاصروها تسعة أشهرٍ،