فصل: في بيان وضع كتابنا والكشف عن قاعدته.
وضع كتاب "الصفوة" وطريقته:
لما كان المقصود بوضع مثل هذا الكتاب ذكر أخبار العاملين بالعمل، الزاهدين في الدنيا، الراغبين في الآخرة، المستعدين للنقلة بتحقيق اليقظة والتزود الصالح، ذكرت من هذه حاله دون مَن اشتهر بمجرد العلم ولم يشتهر بالزهد والتعبد.
ولما سَمّيتُ كتابي هذا "صفة الصفوة" رأيت أن افتتحه بذكر نبينا محمد. صلى الله عليه وسلم فإِنه صفوة الخلق وقدوة العالم.
فإِن قال قائل: فهلاّ ذكرت الأنبياء قبله فإِنهم صفوة أيضاً؟.
فالجواب: إن كتابنا هذا إنما وُضع لمُداواة القلوب وترقيقها وإصلاحها، وإنما نُقل إلينا أخبار آحاد من الأنبياء ثم لم يُنقل في أخبار أولئك الآحاد ما يناسب كتابنا إلا أن يُذكر عن عبّاد بني إسرائيل ما حملوا على أنفسهم من التشديد، أو عن عيسى عليه السلام وأصحابه ما يقتضيه الترهبن، وذلك منقسم إلى ما تبعد صحته، والى ما نهى عنه في شرعنا، وقد ثبت أن نبينا. صلى الله عليه وسلم أفضل الأنبياء وان أمته خير الأمم، وأن شريعته حاكمة على جميع الشرائع، فلذلك اقتصرنا على ذكره وذكر أمته.
فصل: في بيان ترتيب كتابنا
أنا أبتدئ بتوفيق الله سبحانه ومعونته فأذكر باباً في فضل الأولياء الصالحين، ثم أردفه بذكر نبينا محمد. صلى الله عليه وسلم وشرح أحواله وآدابه وما يتعلق به، ثم أذكر المشتهرين من أصحابه بالعلم المقترن بالزهد والتعبد، وآتي بهم على طبقاتهم في الفضل ثم أذكر المصطفيات من الصحابيات على ذلك القانون، ثم اذكر التابعين ومَن بعدهم على طبقاتهم في بلدانهم.
وقد طفت الأرض بفكري شرقاً وغرباً، واستخرجت كل من يصلح ذكره في هذا الكتاب من جميع البقاع. ورب بلدة عظيمة لم أَرَ فيها من يصلح لكتابنا. وقد حصرتُ أهل كل بلدة