985 - عابد
عن ابن جابر أن أبا عبد رب كان أكثر أهل دمشق مالاً، فخرج إلى أذربيجان في تجارة فأمسى إلى جانب مرعى ونهر فنزل به، قال أبو عبد رب: فسمعت صوتاً يكثر حمد الله في ناحية فاتبعته فرأيت رجلاً في حفير من الأرض ملفوفاً في حصير فسلمت عليه وقلت: من أنت يا عبد الله؟ قال: رجل من المسلمين. قلت: وما حالك هذه؟ قال: حال نعمة يجب علي حمد الله عز وجل فيها، قال: قلت: وكيف وإنما أنت في حصير؟ قال: ومالي لا أحمد الله أن خلقني فأحسن خلقي، وجعل مولدي ومنشئي في الإسلام، وألبسني العافية في أركاني وستر علي ما أكره نشره؟ فمن أعظم نعمة ممن أمسى في مثل ما أنا فيه قلت: رحمك الله إن رأيت أن تقوم معي إلى المنزل فإنا نزول على النهر ها هنا. قال: ولمه؟ قال: قلت: لتصيب من الطعام، ونعطيك ما يغنيك عن لبس الحصير. قال: فأبى. قال الوليد: فحسبت أنه قال: إن لي في أكل العشب كفاية، قال أبو عبد رب: فأردته أن يتبعني فأبى وقال: ما لي به من حاجة. فانصرفت وقد تقاصرت إلي نفسي. فذكر أنه رجع من تجارته وتصدق بماله.
986 - عابد آخر
ذو النون قال: رأيت رجلاً في البرية يمشي حافياً وهو يقول: المحب مجروح الفؤاد لا راحة له. فسلمت عليه فقال: وعليك السلام يا ذا النون. فقلت: عرفتني قبل هذا؟ قال: لا. قلت، فمن أين لك هذه الفراسة؟ فقال: ممن يملكها. ليست مني، هو الذي نور قلبي بالفراسة حتى عرفني إياك من غير معرفة سبقت لي، يا ذا النون قلبي عليل وجسمي مشغول، وأنا سائح في البرية أسير فيها منذ عشرين سنة ما أعرف بيتاً، ولا يكنني سقف يسترني من الشمس إذا كظت، ويحفظني من الرياح إذا هبت، فصف لي بعض ما أنا فيه إن كنت وصافاً. فقلت: القلب إذا كان عليلاً جالت الأحزان والأسقام فيه، ليس للقلب مع ذلك دواء. فصرخ صرخة ثم قال: ما لي وللشكوى؟ ثم قال: ما صحبت صاحباً منذ صحبته. أصحبك اليوم. فقلت: قم بنا. فقمنا جميعاً نسير بلا زاد، فلما أوغلنا في البرية وطوينا ثلاثاً قال لي: قد جعت؟ قلت: نعم، قال: فأقسم عليه حتى يطعمك. قلت: لا، والذي فلق الحبة وبراً النسمة لا سألته شيئاً، إن شاء أطعم وإن شاء ترك. فتبسم وقال: إمض الآن، فلقد أفيض علينا من أطايب