وانظروا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يعرف أن ربه الحق، وأن الله يحب الحق، وأن صفة الحق للحق، فهو يدافع عن الحق ويناصر الحق، جاء أسامة بن زيد رضي الله عنه وأرضاه حب رسول الله صلى الله عليه وسلم يشفع في المرأة المخزومية التي سرقت، فثار النبي صلى الله عليه وسلم للحق، وأراد أن يناصر الحق، وما كان صلى الله عليه وسلم يغضب لنفسه قط إلا أن تنتهك حرمات الله، فينتصر للحق، فقال صلى الله عليه وسلم لـ أسامة: (أتشفع في حد من حدود الله؟ والله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها) انتصاراً للحق، وغضباً للحق.
وهكذا كان الصحابة الذين الذين تربوا على يد رسول الله صلى الله عليه وسلم يتعبدون بهذه الصفة الجليلة لله، ويعلمون أن مناصرة الله تعبداً بصفة الحق للحق سبحانه وتعالى، وانظر إلى أبي بكر رضي الله عنه وأرضاه وهو يناصر الحق أمام الفاروق الذي فرق الله به بين الحق والباطل، يقوم عمر بن الخطاب ويعارض أبا بكر فيقول: أتقاتل قوماً يقولون: لا إله إلا الله؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله، فإن قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم)، هو يرى أن هذا هو الحق فيناصره، والمناصر للحق لا يضيع الحق، لكن المتخاذل عن الحق لم يتعبد الله بهذه الصفة، بل سيضيع الحق بسببه، وأنه لم يتعبد لله بهذه الصفة، وأبو بكر أرق الأمة وأرحم الأمة بالأمة ومع ذلك كان أبو بكر مناصراً للحق، ويعلم أن الحق يحب الحق، فقال لـ عمر بن الخطاب: أجبار في الجاهلية خوار في الإسلام، أردت قوتك تأتيني بضعفك وخورك وجبنك، والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة وبين الزكاة، والله لو منعوني عناقاً أو عقالاً كانوا يؤدونه لرسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم عليه، مناصرة للحق، فإن النبي صلى الله عليه وسلم علم أصحابه كيف يتعبدون بهذه الصفة لله جل في علاه، حتى إن عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه جلد ابنه فلذة كبده من أجل أن ينصر حداً من حدود الله جل في علاه، عملاً بهذه الصفة الجليلة، وأيضاً علي بن أبي طالب كان يناصر الحق حتى ولو كان ذلك على أمير المؤمنين، فـ عثمان بن عفان الحج كان ينهى عن المتعة في الحج، والمتعة: أن يتمتع بالعمرة إلى الحج، أي: يعتمر ثم يتحلل ثم بعد ذلك يهل بالحج، فكان عثمان رضي الله عنه وأرضاه ينهى عن المتعة، فقام له علي فقال له: أتنهى عن المتعة وتعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أمر بها؟ والله لأقومن بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولأخالفن من خالف رسول الله صلى الله عليه وسلم كائناً من كان، لبيك اللهم بعمرة متمتعاً بها إلى الحج.
فهذا يل على تعبد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم بهذه الصفة العظيمة الجليلة، صفة الحق ومناصرته، أما المتخاذلون الذين يتخاذلون عن الحق فهؤلاء قد جهلوا صفات ربهم، فضيعوا الحق، وضيعوا التعبد لله بهذه الصفة، فهم آثمون وأيضاً هم عند الله جل في علاه على مذمة عظيمة؛ لأنهم لم يتعبدوا بصفة الحق، ولم ينصروه، فهذه ثلاثة آثام يقع فيها الذين يتخاذلون عن الحق.