إن البركة من الله، وقد جعل لها أسباباً، ومن تلك الأسباب شخص رسول الله صلى الله عليه وسلم، إلا أن هذا السبب قد انتهى بموت النبي صلى الله عليه وسلم، ونسأل الله أن يقر أعيننا برؤية رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويبارك لنا في مقامنا معه، وأن نشرب من يده الشريفة شربة ماء من الكوثر لا نظمأ بعدها أبداً.
ومن أسباب البركة التي لا بد أن نأخذ بها حتى تحل علينا بركات الله: أولاً: تقوى الله جل في علاه، فبها تحل البركة، قال الله تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف:96]، فلم يقل: كثرنا أموالهم، ولا زدنا لهم في العطاء، بل العطاء نفس العطاء، والفارق الذي أحدثه يقين العبد بربه هو البركة في ذلك العطاء.
ثانياً: الصدق، فإن البائع والمشتري إن كانا صادقين فإن البركة ستكون معهما، وهذا ما جهله الباعة في زماننا هذا، فهم لفرط جهلهم يخادعون ربهم وهم المخدوعون الأغبياء الخاسرون؛ إذ أن الله جل وعلا يجعل البركة مع الصدق، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)، وفي رواية قال: (فإن صدقا وبينا بورك لهما في بيعهما)، وأما إن كذبا كما يفعل تجار زماننا هذا فإن الله سيمحق البركة من أموالهم ومكاسبهم كما محق البركة مع أكل الربا، وما صدق على البيع يصدق على الشركات، فتكون معهم البركة بشرط الصدق؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله تعالى: أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما الآخر)، ومعلوم أن الله إذا كان معهم فإن البركة كلها ستكون معهم، فالمرء الذي يشارك غيره إن كان صادقاً مخلصاً ليس مخادعاً، فإن الله يكون معه ومع شريكه، وإذا كان الله معهما فإن البركة تحل عليهما.
ثالثاً: ومن أسباب البركة كذلك ألا يتقدمن أمراً ولا يعملن عملاً إلا ويقدم بين يديه اسم الله، والذي يرى المصنفين ويتأمل مصنفاتهم يجد أن كتبهم وقد بدأت باسم الله، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يبعث بعثاً إلا قال: (اغزوا باسم الله)، وكان يبعث الدعاة إلى كسرى فارس وقيصر والروم ويصدر كتبه إليهم ب (باسم الله، من محمد رسول الله).
فمن بدأ باسم الله كانت البركة معه؛ لأن لفظ الجلالة (الله) هو الاسم الأعظم لله جل في علاه، فإذا ذكر في قليل كثره، وإذا ذكر في كثير باركه، فإن البركة تكون مع اسم الله جل في علاه، ولذلك جاءت بعض الروايات التي فيها طعن وإن صححها بعض المحدثين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (كل أمر ذي بال لم يبدأ فيه باسم الله فهو أجذم)، وفي رواية (فهو أبتر) وفي رواية: (فهو أقطع).
فهذه الروايات كلها تبين لك أن البركة التامة مع ذكر اسم الله جل في علاه.