وحين نمنع النظر في العناصر الحقيقية التي تقتضي تفضيل بعض الكائنات على بعض، فلا بد أن نلاحظ أن الله قد فضل الإنسان المخلوق من الطين على الجن المخلوقين من النار، بما وهبه من خصائص عملية استنباطية، ليست موجودة لدى الجن، ويرى كثير من الباحثين أن الله فضله بهذه الخصائص على الملائكة أيضاً، بدليل أن الله أمر الملائكة بالسجود له، وبدليل أن الله علَّم آدم الأسماء كلها في حين أن الملائكة أعلنوا عجزهم فقالوا: {سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا} .

وبعد أن درسنا الخصائص الإنسانية وعرفناها تبين لنا أن الإنسان قادر على إدراك الأشياء الغائبة عنه، عن طريق الاستنباط من سماتها وآثارها القريبة أو البعيدة، فهو يستطيع بالتأمل والاستنتاج أن يدرك بعقله ما لا يدركه بحواسه إدراكاً مباشراً.

فلعل هذا هو ما امتاز به آدم أبو البشر على الملائكة الذين أعلنوا أنهم لا يعلمون إلا ما يعلمهم الله إياه بطريق مباشر، أما أن يعلموا سمات الأشياء وخصائصها عن طريق الاستنباط العقلي فهذا أمر لا يملكونه، ولما وضع الله آدم موضع الامتحان أظهر براعته بهذا الشأن، وبذلك ظهرت للملائكة حكمة الله الجليلة في خلق الإنسان وإبداعه.

وقد يشهد لهذا قول الله تعالى في سورة (التين/95 مصحف/28 نزول) :

{لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي? أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ}

فهذا النص يشعر بامتياز الإنسان على سائر ما خلق الله وسائر من خلق الله بأنه مخلوق في أحسن تقويم.

ولا ينقص هذا الامتياز كون الملائكة والجن أقدر من الإنسان في كثير من الأعمال الجسدية المباشرة، بحسب تصورنا للملائكة والجن المقتبس من دلالات النصوص الدينية، لأننا حينما نلاحظ الجوانب الفكرية والنفسية للإنسان يظهر لنا أن الإنسان باستطاعته أن يستخدم كل الطاقات الكامنة في الكون بالبحث عن سماتها وخصائصها، والحيلة في النفاذ إليها وتسخيرها تسخيراً هائلاً ضمن أغراضه

طور بواسطة نورين ميديا © 2015