زعم (د. العظم) في نقده للفكر الديني أن الدين في نزاعه مع العلم يضطر لأن يتنازل عن مواقعه بعد صراع شديد، فقال في الصفحة (24) من كتابه:
"إن محاولة طمس معالم النزاع بين الدين والعلم ليست إلا محاولة يائسة للدفاع عن الدين، يلجأ إليها كلما اضطر الدين أن يتنازل عن موقع من مواقعه التقليدية، أو كلما اضطر لأن ينسحب من مركز كان يشغله في السابق. إن نمط هذه العملية معروف جدا ً. إنها تبدأ بصدام شديد بين النظرة العلمية الجديدة حول موضوع ما، وبين النظرة الدينية السائدة إلى الموضوع ذاته، وبعد نزاع قد يستمر سنين طويلة تنتصر النظرة العلمية الجديدة، وتسود بين كبار المفكرين، وتنتشر بين الفئات المثقفة تماماً عندما يوشك العلم أن يتجاوزها إلى نظرة أفضل. عندئذٍ يقول أصحاب النظرة الدينية: إنه لم يكن من موجب لهذا النزاع أصلاً، لأن الخلاف لم يكن بين جوهر الدين وروحه من جهة وبين العلم من جهة أخرى، لذلك لا يضير الدين أن يتنازل للعلم عن أمور لا تمس روحه. ولكن الحق يقال: إن هذا النمط من التكفير يخبئ وراءه سلسلة طويلة من التراجعات الهامة والحاسمة، اضطر إليها الدين عندما وقف وجهاً لوجه أمام العلم. بالرغم من هذا الكلام الجميل عن روح الدين وجوهره لم يتراجع الدين ولو مرة واحدة أمام العلم إلا بعد معركة ضارية، أو تحت الضغط المتزايد للثقافة العلمية الحديثة، أو تحت إلحاح الضرورات الحيوية للتكليف مع موجة العلمنة والتقدم التي تفرض نفسها على حياة المجتمعات في النهاية".
لنا حول هذا الكلام "العظمي" نظرات، كل واحدة منها تحتاج مناقشة مستقلة.