ألم يخطر في ذهنه أن هذه الجدية الظاهرة في كل شيء من هذا الكون المدروس لا بد أن تلازمه وتصاحبه إلى ما وراء المجال المدروس منه؟
إن هذه الجدية الملاحظة في الكون لا تدع مجالاً لتصوُّر اللعب واللهو والعبث. وفي اللحظة التي تسقط فيها تصوُّرات اللعب واللهو والعبث عن هذا الكون تبدأ التصورات الصحيحة الباحثة عن الغايات التي تهدف إلهيا المقادير العظمى. وهذا هو مفتاح النور لإدراك الحقيقة الدينية التي لم يرد الملحدون أن يدركوها تعنتاً وعناداً واستكباراً ورغبة بالفجور، ولذلك أنكروا الامتحان والجزاء واليوم الآخر، بعد أن جحدوا الخالق جلَّ وعلا، وربما جحدوه لأنهم أرادوا أن يبعدوا عن تصورهم قانون الامتحان والجزاء، لينطلقوا في أعمالهم الفاجرة المجرمة دون خوف من النتائج الوخيمة، والعواقب الوبيلة.
ومن هذا نستطيع أن نتبين السلسلة الفكرية الإيمانية، فهي تسير على الوجه التالي:
1- دراسة الكون والحياة والإنسان تهدي إلى الإيمان بالخالق العظيم، القادر العليم، العدل الحكيم.
2- دراسة الغاية من الخلق التي تهدي إليها ملاحظة الكون، وأحداثه الكبرى، وقوانينه الصارمة، وسننه الثابتة، لا تدع مجالاً لتصور اللعب واللهو والعبث في أي حدث من أحداثه، بل كل ما فيه جدّ لا هزل يصاحبه، ولا عبث يخالطه.
3- دراسة العلاقة الأخلاقية والتكوينية بين الخالق الحكيم والإنسان المدرك المريد، تهدي إلى أن الإنسان خلق في هذه الحياة للامتحان، والامتحان يستلزم الجزاء في جدية قوانين الوجود وسننه الثابتة.
4- دراسة الظواهر الجزائية في نطاق هذا الكون المدروس المشاهد تدل على أن كمال مقتضيات العدل وكمال مقتضيات الحكمة لم يتحققا فيه، وهذا يهدي - مع ملاحظة صفات الخالق العظيمة التي منها العدل والحكمة ومع ملاحظة قوانينه الصارمة وسننه الثابتة في الكون - إلى أن حياة أخرى قد رتبت في