في عالم بلا إيمان. ولا يطيق أن يقعد بلا جهاد لتحقيق عالم يسوده الإيمان. فهو مدفوع دفعا إلى الجهاد. كائنا مصيره فيه ما يكون ..
ولكن الله - سبحانه - يعلم أن النفس تضعف، وأن الاندفاع يهبط، وأن الجهد يكل وأن حب السلامة قد يهبط بتلك المشاعر كلها ويقودها إلى الرضى بالواقع الهابط ..
ومن ثم يجاهد القرآن هذه النفس ذلك الجهاد ويعالجها ذلك العلاج، ويهتف لها بالموحيات والمؤثرات ذلك الهتاف المتكرر المتنوع، في شتى المناسبات. ولا يكلها إلى مجرد الإيمان، ولا إلى نداء واحد باسم هذا الإيمان. فها هو ذا يختم السورة بنداء جديد، يحمل طابعا جديدا، وإغراء جديدا، وموحيا جديدا (?)
قال تعالى: {هَاأَنتُمْ هَؤُلَاء تُدْعَوْنَ لِتُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَمِنكُم مَّن يَبْخَلُ وَمَن يَبْخَلْ فَإِنَّمَا يَبْخَلُ عَن نَّفْسِهِ وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنتُمُ الْفُقَرَاء وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ} (38) سورة محمد
بهذه الآية الكريمة تختم السورة، فتلتقى بالمؤمنين، بعد أن وضعتهم فى مواجهة أعدائهم من الكافرين والمشركين، الذين يحادون الله ورسوله، ويتربصون بالمؤمنين الدوائر، وأنه مطلوب من المؤمنين أن يعملوا على حماية أنفسهم من هذا العدو المتربص بهم، وذلك بالجهاد فى سبيل الله بأموالهم وأنفسهم ..
ولمّا كان للمال سلطانه على النفوس، فقد جاءت الآيات السابقة تكشف عن هذه المشاعر، التي يجدها المؤمنون حين يمتحنون فى أموالهم، وأن الله سبحانه وتعالى قد شملهم برحمته، فلم يدعهم إلى الخروج عن أموالهم جملة، على سبيل الإلزام والفرض، بل جعل ذلك دعوة مطلقة، يأخذ منها الناس ما تتسع له نفوسهم، كلّ على حسب ما تسخو به نفسه، ويرضاه قلبه ..
دون حرج أو إعنات.