«الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ» .. الذين يقيمون الصلاة ويقومون بالصلاة كأنها صفة ثابتة من صفاتهم وكأن الركوع والسجود طابع مميز بين الناس لهم.
«الْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ» .. وحين يقوم المجتمع المسلم الذي تحكمه شريعة الله، فيدين لله وحده ولا يدين لسواه، يكون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في داخل هذا المجتمع ويتناول ما يقع فيه من أخطاء وانحرافات عن منهج الله وشرعه .. ولكن حين لا يكون في الأرض مجتمع مسلم وذلك حين لا يكون في الأرض مجتمع الحاكمية فيه لله وحده، وشريعة الله وحدها هي الحاكمة فيه، فإن الأمر بالمعروف يجب أن يتجه أولا إلى الأمر بالمعروف الأكبر، وهو تقرير ألوهية الله وحده سبحانه وتحقيق قيام المجتمع المسلم. والنهي عن المنكر يجب أن يتجه أولا إلى النهي عن المنكر الأكبر. وهو حكم الطاغوت وتعبيد الناس لغير الله عن طريق حكمهم بغير شريعة الله .. والذين آمنوا بمحمد - صلى الله عليه وسلم - هاجروا وجاهدوا ابتداء لإقامة الدولة المسلمة الحاكمة بشريعة الله، وإقامة المجتمع المسلم المحكوم بهذه الشريعة. فلما تم لهم ذلك كانوا يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر في الفروع المتعلقة بالطاعات والمعاصي. ولم ينفقوا قط جهدهم، قبل قيام الدولة المسلمة والمجتمع المسلم في شيء من هذه التفريعات التي لا تنشأ إلا بعد قيام الأصل الأصيل! ومفهوم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لا بد أن يدرك وفق مقتضى الواقع. فلا يبدأ بالمعروف الفرعي والمنكر الفرعي قبل الانتهاء من المعروف الأكبر والمنكر الأكبر، كما وقع أول مرة عند نشأة المجتمع المسلم! «وَالْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللَّهِ» .. وهو القيام على حدود الله لتنفيذها في النفس وفي الناس. ومقاومة من يضيعها أو يعتدي عليها .. ولكن هذه كالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لا يقام عليها إلا في مجتمع مسلم.
ولا مجتمع مسلم إلا المجتمع الذي تحكمه شريعة الله وحدها في أمره كله وإلا الذي يفرد الله سبحانه بالألوهية والربوبية والحاكمية والتشريع ويرفض حكم الطاغوت المتمثل في كل شرع لم يأذن به الله .. والجهد كله يجب أن ينفق ابتداء لإقامة هذا المجتمع. ومتى قام كان هناك مكان للحافظين لحدود الله فيه .. كما وقع كذلك أول مرة عند نشأة المجتمع المسلم!