أَمَرَ اللهُ تَعَالَى المُؤْمِنِينَ بِالنَّفِيرِ الْعَامِّ، وَالْخُرُوجِ جَمِيعاً مَعَ الرَّسُولِ - صلى الله عليه وسلم - إِذَا دَعَاهُمْ إِلَى الجِهَادِ فِي سَبِيلِ اللهِ، وَأَلْزَمَهُمْ بِالخُرُوجِ عَلَى كُلِّ حَالٍ فِي المَنْشَطِ وَالمَكْرَهِ، وَالْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، فَقَالَ انْفِرُوا خِفَافاً وَثِقَالاً، وَأَغْنِيَاءَ وَفُقَرَاءَ، وَرُكْبَاناً وَمُشَاةً وَأَقْوِيَاءَ وَضُعَفَاءَ، لأَنَّ فِي ذَلِكَ خَيْرُ المُؤْمِنِينَ فِي الدُّنْيَا، لأَنَّهُ لاَ عِزَّ لِلأُمَمِ، وَلاَ سِيَادَةَ إِلاَّ بِالْقُوَّةِ الحَرْبِيَّةِ، وَفِيهِ أَيْضاً خَيْرُهُمْ فِي الدِّينِ لأَنَّهُ لاَ سَعَادَةَ لِمَنْ لَمْ يَنْصُرِ الحَقَّ، وَيُقِمِ العَدْلَ بِاتِّبَاعِ الْهُدَى وَالعَمَلِ بِشَرْعِ اللهِ.

وَقَدْ نُسِخَتْ هَذِهِ الآيَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَّيْسَ عَلَى الضعفآء وَلاَ على المرضى وَلاَ عَلَى الذين لاَ يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ للَّهِ وَرَسُولِهِ.} (?)

وما يحجم ذو عقيدة في الله عن النفرة للجهاد في سبيله، إلا وفي هذه العقيدة دخل، وفي إيمان صاحبها بها وهن. لذلك يقول الرسول - صلى الله عليه وسلم - «من مات ولم يغز ولم يحدث نفسه بغزو مات على شعبة من شعب النفاق». فالنفاق - وهو دخل في العقيدة يعوقها عن الصحة والكمال - هو الذي يقعد بمن يزعم أنه على عقيدة عن الجهاد في سبيل الله خشية الموت أو الفقر، والآجال بيد الله، والرزق من عند الله. وما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلا قليل.

ومن ثم يتوجه الخطاب إليهم بالتهديد: «إِلَّا تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِلْ قَوْماً غَيْرَكُمْ، وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً، وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ» ..

والخطاب لقوم معينين في موقف معين. ولكنه عام في مدلوله لكل ذوي عقيدة في الله. والعذاب الذي يتهددهم ليس عذاب الآخرة وحده، فهو كذلك عذاب الدنيا. عذاب الذلة التي تصيب القاعدين عن الجهاد والكفاح، والغلبة عليهم للأعداء، والحرمان من الخيرات واستغلالها للمعادين وهم مع ذلك كله يخسرون من النفوس والأموال أضعاف ما يخسرون في الكفاح والجهاد ويقدمون على مذبح الذل أضعاف ما تتطلبه منهم الكرامة لو قدموا لها الفداء. وما من أمة تركت الجهاد إلا ضرب الله عليها الذل، فدفعت مرغمة صاغرة لأعدائها أضعاف ما كان يتطلبه منها كفاح الأعداء ..

طور بواسطة نورين ميديا © 2015