الانتظار .. ووراء هذا الانتظار ما يسوء أولئك الذين آثروا الآجلة على العاجلة حين يرون نصر الله للمؤمنين، وما فتح الله عليهم به من مغانم فى الدنيا، ورضوان فى الآخرة، وجنّات لهم فيها نعيم مقيم.
ويلاحظ أن قوله تعالى: «قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَأَبْناؤُكُمْ .. الآية» قد انتظم كل ما تتعلق به النفوس، وتحرص عليه .. وليس وراءه من أمور الدنيا ما يطلبه الإنسان، ويعلق به ..
كما يلاحظ أيضا أن هذه الأمور قد جاءت فى النظم القرآنى مرتبة الدرجات .. الأهمّ، فالمهم، فما هو دونه .. وهذا ما يجعل المؤمن أمام تجربة ذات شعب، وأنه قد يؤثر إيمانه على بعضها دون بعض، أو يؤثرها جميعا عليه، أو يؤثر إيمانه عليها جميعا .. كما أن هذه التجربة تنتظم المسلمين جميعا، لا يكاد أحد منهم يفلت من الدخول فيها، فمن لم يكن له أب كان له ولد .. ومن لم يكن له ولد، ولا والد، كان له زوج .. ومن لم يكن له واحد من هؤلاء كان له مال، ومن لم يكن له مال، ولا تجارة يخشى كسادها، كان له موطن يحنّ إليه، ودار يرنو ببصره إليها ..
وهكذا، فى كلمات معدودة، تتحرك مشاعر المجتمع الإسلامى، وتتقلب القلوب، ويدور الصراع فى كيان كل مسلم، ثم تنجلى المعركة بعد صراع طويل أو قصير، عن سلام وعافية، أو شكّ وتردّد .. ثم يجىء قوله تعالى: «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» تعقيبا على هذا الصّراع، ممسكا بهؤلاء الشاكّين المترددين، لينتزعوا أنفسهم مما هم فيه من شك وتردد، فإمّا إلى اليمين، وإما إلى اليسار .. ولله سبحانه وتعالى فى هؤلاء المترددين الشاكّين، الذين ظلموا أنفسهم بهذا الموقف الذي وقفوه- لله فيهم أعداء لم يرد الله أن يهديهم، وأن يمضى لهم طريقهم إلى آخره مع الإيمان .. فليحذر كلّ من هؤلاء أن يكون فيمن خذلهم الله وجعلهم من أعدائه .. «وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ» الذين دخلوا فى دين الله، ثم مال بهم الطريق إلى ما لا يرضى الله! (?)
إن هذه العقيدة لا تحتمل لها في القلب شريكا فإما تجرد لها، وإما انسلاخ منها. وليس المطلوب أن ينقطع المسلم عن الأهل والعشيرة والزوج والولد والمال والعمل والمتاع