تَعَالَى إِلَى أَنَّ العِقَابَ الذِي يُنْزِلُهُ اللهُ بِالأُمَمِ المُقَصِّرَةِ بِالقِيَامِ بِوَاجِبَاتِهَا لاَ يُصِيبُ السَّيِّىءَ وَحْدَهُ، وَإِنَّمَا يَعُمُّ بِهِ المُسِيءَ وَغَيْرَهُ، وَيُعْلِمُهُمْ أَنَّهُ شَدِيدُ العِقَابِ لِلأُمَمِ التِي تُخَالِفُ سُنَنَهُ وَهُدَى دِينِهِ، وَتُقَصِّرُ فِي دَرْءِ الفِتَنِ، وَفِي التَّعَاوُنِ عَلَى دَفْعِهَا، وَالقَضَاءِ عَلَيْهَا. (?)
وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُون أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ (26) سورة الأنفال
فهي دعوة للحياة .. للحياة الدائمة المتجددة. لا لحياة تاريخية محدودة في صفحة عابرة من صفحات التاريخ.
هذا الدرس يعرض تجربتين من تجارب الأمم يضمهما إلى ذخيرة هذه الأمة من التجارب ويعد بهما الجماعة المسلمة لما هي معرضة له في حياتها من المواقف بسبب قيامها بدورها الكبير، بوصفها وارثة العقيدة الإيمانية، ووارثة التجارب في هذا الحقل الخصيب.
والأولى تجربة لا يذكر القرآن أصحابها ويعرضها في اختصار كامل، ولكنه واف. فهي تجربة جماعة «خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ» .. فلم ينفعهم الخروج والفرار والحذر وأدركهم قدر الله الذي خرجوا حذرا منه .. فقال لهم الله: «مُوتُوا» .. «ثُمَّ أَحْياهُمْ» .. لم ينفعهم الجهد في اتقاء الموت، ولم يبذلوا جهدا في استرجاع الحياة. وإنما هو قدر الله في الحالين.
وفي ظل هذه التجربة يتجه إلى الذين آمنوا يحرضهم على القتال، وعلى الإنفاق في سبيل الله، واهب الحياة. وواهب المال. والقادر على قبض الحياة وقبض المال.
والثانية تجربة في حياة بني إسرائيل من بعد موسى .. بعد ما ضاع ملكهم، ونهبت مقدساتهم، وذلوا لأعدائهم، وذاقوا الويل بسبب انحرافهم عن هدي ربهم، وتعاليم نبيهم .. ثم انتفضت نفوسهم انتفاضة جديدة واستيقظت في قلوبهم العقيدة واشتاقوا القتال في سبيل الله. فقالوا: «لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنا مَلِكاً نُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ».