لقد وقع الإسلام والمسلمون فى وجه عواصف عاتية جائحة، للغزو البربري، الذي كان من شأنه أن يدمر كل شىء، ويأتى على كل شىء، لولا قوة هذا الدين، وما غرس فى أتباعه من معالم الحق والخير .. وحسبك أن تذكر هنا الغزو التترى، أو الغزو المغولى .. فما مرّ أحدهما بمواطن من المواطن إلا أحاله خرابا يبابا .. ثم حسبك أن تذكر الحروب الصليبية، ثم الاستعمار الغربي الذي تسلط على قارتى أفريقيا وآسيا، حتى لقد كانت مواطن الإسلام كلها تحت يده .. فما حلّ الاستعمار بأرض إلا أجدبت من كل خير، وأصبحت مرعى خصبا لآفات الجهل والفقر والضعف .. ومع هذا كله، ومع ما أصاب المسلمين من بلاء، فقد بقي الإسلام فى قلوب أهله متمكنا قويّا، لا يتحولون عنه أبدا، ولو أخذوا بكل ألوان الضر والأذى، فى أموالهم وأنفسهم، أو جىء إليهم بكل مغريات الحياة من مال ونساء على يد المستعمرين والمبشرين ..

فتاريخ الاستعمار للدول الإسلامية، يؤلف كتابا ضخما، أسود الصفحات، لما كان يأخذ به المستعمرون الأمم الإسلامية بصفة خاصة، والعربية بصفة أخص، من بغى وعدوان، وتسلط قاهر، على مقومات الحياة فى تلك الأمم، وخاصة ما يتصل بالعقيدة الدينية، وما تلقّاه عنها أهلها من لغة وعادات وتقاليد، وذلك ليضعفوا الصّلات التي تصل المسلمين بدينهم، وليوهنوا من الأسباب التي تربط بين جماعاتهم .. ومع هذا كله فقد بقي الإسلام متمكنا فى القلوب، راسخا فى الضمائر، مختلطا بالمشاعر، لم يسلم للمسلمين شىء غيره، مما كان لهم فى هذه الدنيا، التي سلبهم الاستعمار إياها، أو قتلها، حيث لم يكن له حاجة فيها .. وكان الإسلام دائما هو القوة التي يستند إليها المسلمون، كلّما خذلتهم قوى الحياة جميعا، من علم، ومال، ورجال ..

وتاريخ التبشير فى المحيط الإسلامى يحدّث عن أكبر هزيمة، وأعظم خيبة منى بها عمل من الأعمال، أو أصيب بها حركة من الحركات، أو انتهت إليها دعوة من الدّعوات.

فما استطاعت تلك الحملات التبشيرية التي رصدت لها دول أوربا وأمريكا الأموال الضخمة، وجنّدت لها العقول الجبارة- ما استطاعت هذه الحملات أن تنال من الإسلام منالا، أو أن تحوّل مسلما واحدا عن دينه، أو تفتنه فيه، بل كان المسلم الأمّىّ الساذج،

طور بواسطة نورين ميديا © 2015