واستدلَّ الخطابي لهذا المذهب بحديث تأويل أبي بكر المتقدم، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أمر بإبرار القسم [وسيأتي قريبًا] فلو كان قوله (أقسمتُ) يمينًا لأشبه أن يبره.
وتُعقِّب بأنه قد جاء في رواية الصحيحين أن أبا بكر صرح باليمين فقال: «والله لتخبرني» فقال له: «لا تقسم» فدلَّ على أن إبرار المقسم ليس بواجب.
الراجح: الذي يظهر أن قول القائل (أقسمت أو حلفت) يعتبر يمينًا منعقدة لكن ينبغي أن يقيد بأن يكون مختارًا وقاصدًا للحلف لا حاكيًا له ونحو ذلك، والله أعلم.
من قال: «أشهد بالله» أو «أشهد»:
1 - إذا قال القائل: (أشهد بالله) فإنه يُعدَّ يمينًا عند عامة الفقهاء، إلا أن الشافعي قيده بما إذا نوى، لأن قوله (بالله) وحده يمين، فقوله (أشهد بالله) في معنى: أقسم بالله، وقد تقدم أن قوله تعالى -في اللعان- {أَنْ تَشْهَدَ أَرْبَعَ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ ...} (?) أن اللعان عند أكثر أهل العلم أيمان مؤكدة بالشهادة.
2 - أما إذا قال (أشهد) فاختلف العلماء في اعتباره يمينًا على ثلاثة أقوال كالتي في المسألة السابقة تمامًا، ومستند من جعل قول (أشهد) يمينًا، قوله تعالى {إِذَا جَاءكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ ...} ثم قال بعدها {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَن سَبِيلِ اللَّهِ} (?) قالوا: فسمى الله شهادتهم يمينًا.
وأجاب الآخرون بأن الآيات ليست صريحة في الدلالة على المطلوب، لاحتمال أن يكون قوله سبحانه {اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ} ليس راجعًا إلى قوله {نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ} وإنما يرجع إلى سبب نزول الآيات وهي أن عبد الله بن أبيٍّ حلف ما قال، قاله القرطبي.
قلت: وربما يتأيد هذا بحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل: أي الناس خير؟ فقال: «قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم ثم يجيء قوم تسبق شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته» (?).
قال الحافظ: «وهو ظاهر في المغايرة بين اليمين والشهادة» اهـ (?).