فكذا يقال في القاذف، لاحتمال أن يكون الاستثناء في الآية مخصصًا لعموم الحديث بالنسبة له» (?).

4 - قالوا: القذف متضمن للجناية على حق الله وحق الآدمي، وهو من أوفى الجرائم، فناسب تغليظ الزجر، وردُّ الشهادة من أقوى أسباب الزجر.

وتُعقِّب بأن مصلحة الزجر متحصلة بالحد، وتغليظ الزجر وصف لا ينضبط فلا يعلق له حكم، ثم إن زجر القاذف بردِّ شهادته لا يتحقق في كل أحد لتفاوت الناس، والقذف عادة إنما يحصل من الرعاع لا من أعيان الناس، وهم لا ينزجرون غالبًا بردِّ شهاداتهم، وأيضًا فإن ما يترتب على ردِّ شهادته أبدًا من المفاسد - كفوات الحق على الغير، وتعطيل الشهادة في محل الحاجة إليها - تغمر المصلحة

في ذلك، والقاعدة أن (رد المفاسد مقدم على جلب المصالح).

القول الثاني: تقبل شهادة القاذف إذا تاب: وهو مذهب الجمهور منهم مالك والشافعي وأحمد وجماعة من السلف منهم سعيد بن المسيب، وعليه عمل الصحابة - رضي الله عنهم -، ومما استدلوا به:

1 - أن الاستثناء في الآية الكريمة عائد إلى الجملتين المتعاطفتين قبله في قوله تعالى: {ولا تقبلوا لهم شهادة أبدًا وأولئك هم الفاسقون} (?).

وهذا بناء على أصل الجمهور - خلافًا للحنفية - في أن (الاستثناء إذا جاء بعد جمل متعاطفات فإنه يرجع لجميعها إلا لدليل من نقل أو عقل يخصصه ببعضها).

قال أبو عبيد: «وهذا عندي هو القول المعمول به؛ لأن من قال به أكثر، وهو أصح في النظر، ولا يكون القول بالشيء أكثر من الفعل، وليس يختلف المسلمون في الزاني المجلود أن شهادته مقبولة إذا تاب» اهـ.

2 - واستدلوا بعمل الصحابة - رضي الله عنهم -، كما في قصة قذف المغيرة بن شعبة - رضي الله عنه -، فإن عمر - رضي الله عنه - قبل شهادة نافع وشبل لما تابا، وردُّ شهادة أبي بكرة إذا أبى أن يتوب (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015