وأمّا الرواية الأولى فمفهوم قوله: "وهن شديد"؛ أنه لا يبين ما فيه وهن غير شديد، وحينئذ ينبغي التوفيق بين هذا المفهوم إذا كان مرادًا، وبين صريح قوله: "وما لم أذكر فيه شيئًا فهو صالح":
فإما أن يقال: إنّ هذا المفهوم لا اعتداد به؛ لمخالفته لهذا المنطوق! وهذا عندنا -هنا- ضعيف مرجوح، وذلك لإمكان التوفيق بينهما، وهو أن يقال: إن الصالح عند أبي داود يشمل الحديث الضعيف الذي لم يشتد ضعفه، وعليه فلا تعارض بين المنطوق والمفهوم، وهذا هو الذي تطمئن إليه النفس، وينشرح له الصدر بعد طول تفكر وتدبر، وهو الذي جنح إليه الحافظ ابن حجر العسقلاني رحمه الله حيث قال (?): "ولفظ (صالح) في كلامه؛ أعم من أن يكون للاحتجاج أو للاعتبار، فما ارتقى إلى الحسن ثم إلى الصحيح؛ فهو بالمعنى الأول (الاحتجاج)، وما عداهما؛ فهو المعنى الثاني (الاعتبار)، وما قصر عن ذلك فهو ما فيه وهن شديد".