واشتد الأمر، وتنابذ القوم، ونادى بعضهم بعضًا، وتآمرت قريش على من أسلم منهم، يعذبونهم ويفتنونهم عن دينهم، وحدب على النبيّ - صلى الله عليه وسلم - عمُّه أبو طالب، ومنع الله عن رسول به وببني هاشم وبني المطلب دون أبي لهب (?).
لقد طُبِع أبو طالب بحبّ رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فكان يحنو عليه، ويُحسن إِليه، ويُدافع عنه ويحامي، ويخالف قومَه في ذلك، مع أنّه على دينهم وخُلّتهم، ولم يختره الله للإسلام لتبقى هيبته في نفوس قريش، {وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ} (?)، فهذا أبو طالب وأبو لهب، كلاهما من أعمام النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، كافران لم يؤمنا به - صلى الله عليه وسلم -، أحدهما في ضحضاح من نار (?)، والآخر في الدرك الأسفل من النار. قال اين القيّم: وكان من حكمة أحكم الحاكميِن بقاؤه على دين قومه، لما في ذلك من المصالح التي تبدو لمن تأمّلها) (?). ومنها بقاء احترامهم له وهيبتهم منه ومجاملته لأنه سيد مطاع في أهله، وأهل مكة لا يتجاسرون على مكاشفته بشيء يؤذيه ما دام على دينهم وملتهم.
عن أنس قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "لقَدْ أُخِفْتُ في اللهِ، وَمَا يُخَافُ أَحَدٌ، وَلَقَدْ أُوذِيتُ في اللهِ، ومَا يُؤْذَى أَحَدٌ، وَلَقَدْ أَتَت عَلَيَّ ثَلَاثُونَ مِنْ بينِ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ، وَمَا لِي وَلِبِلَالٍ طَعَامٌ يَأْكُلُهُ ذو كَبِدٍ، إلَّا شَيْءٌ يُوَارِيهِ إِبْطُ بِلَالٍ" (?).