بعضَ ما فعل بي في طريقي إليك، مولاي وسيدي، ثم استفرغه البكاء. فقلت: وما فعل بك؟
قال: جَوَّعني ثلاثين يومًا، ثم جئتُ إلى قرية فيها مِقْثاةٌ قد نبذ منها الدود وطرح، فقعدت آكل منه، فبصر بي صاحبُ المقثاة، فأقبل إلى يضرب ظهري وبطني، ويقول: يا لص! ما خرب مقثأتي غيرُك، منذ كم أرصدُك حتى وقعتُ عليكَ، فبينا هو يضربني إذ أقبل فارسٌ إليه مسرعًا، وقلب السوطَ في رأسه، وقال: تعمدُ إلى ولي من أولياء الله، فتقول له: يا لص؟! فأخذ صاحبُ المقثاة بيدي، فذهب بي إلى منزله، فما أبقى من الكرامة شيئًا إلا عمله معي، واستحلني، وجعل مقثاته لله -سبحانه وتعالى- ولأصحاب معروف.
فقلت له: صفْ لي معروفًا، فوصفَكَ لي، فعرفتُك بما كنت شاهدتُه من صفتك.
قال معروفٌ: فما استتمَّ كلامَه حتى دقَّ صاحبُ المقثاةِ البابَ، ودخل إليَّ، وكان موسِرًا، فخرج من جميع ماله، وأنفقه على الفقراء، وصحبَ الشابَّ سنةً، وخرجا إلى الحج، فماتا في الربذة.
وبه إلى الإمامِ أبي الفرجِ: أنا عبد الملكِ بن أبي القاسمِ: أنا أبو عبد الله محمدُ بن عليٍّ: أنا أبو الفضلِ الفاميُّ: أنا محمدُ بن أحمدَ المروانيُّ: حدثني محمدُ بن المنذرِ: ثنا عيسى بن أبي موسى: أنا أبو عبيدِ الله الإمامُ: سمعت أبا عبد الله النباجيَّ يقول: إذا كان عندك ما أعطى الله نوحًا وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمدًا -عليهم السلام- ولا تراه شيئًا، وإنما تريد ما أعطى الله نمرودَ وفرعونَ وهامانَ، متى تفلح؟