فقال ابن أبي ذئب: يا أمير المؤمنين! قد بعثَ البعوثَ، وسدَّ الثغورَ، وقسمَ فيهم فيئَهم غيرُك.
قال: ويلَكَ! ومن ذاك؟
قال: عُمَرُ بن الخطاب.
قال: فأطرقَ أبو جعفرٍ إطراقةً، ثم رفعَ رأسه، فقال: إن عمرَ بن الخطاب -رضي الله عنه- عمل بزمان، وعملنا لغيره.
فقال: يا أمير المؤمنين! إن الحق لا ينقله الزمان عن مواضعه، ولا يغيره عن وجهه.
قال: أحسبُك يا بن أبي ذئب إمامًا على السلطان.
قال: لا تقل ذلك يا أمير المؤمنين، فوالذي يمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه! لَصَلاحُك أحبُّ إليَّ من صلاحِ نفسي، وذلك أن صلاحي لنفسي لا يعدوها، وصلاحك لجميع المسلمين.
قال: فأطرق أبو جعفرٍ، وابن المسيَّبِ، والحرسُ قيامٌ على رأسه بأيديهم السيوفُ المسللة، ثم رفع رأسه وقال: من أراد أن ينظر إلى خير أهل الأرض اليومَ، فلينظر إلى هذا الشيخ، ولوى إلى ابن أبي ذئب، قال: فقلتُ في نفسي، أشهد أن الله وليُّ الذين آمنوا، وهو منجي المتقين.
وبه إلى ابن زبرٍ، أنا أبي: أخبرني عبد الله بن مسلمٍ، عن أحمدَ بن يحيى، عن محمدِ بن إدريسَ الشافعيِّ، قال: قدم أبو جعفرٍ المنصورُ المدينةَ حاجًّا، فأتته الوفودُ من كل بلدٍ يشكون إليه الأمراء.