فإن كنتَ من أهل المعرفة والذَّكاء، بانَ لك الحكماءُ والأطباء، وعرفتَ المقربين والأحباء، كان كنت من أهل الذَّوْق، عرفتَ الخلخالَ من الطَّوق، كان كنت من [أهل] العشق والمحبة، فَرَّقت بين العجوز والشبّه، كان كنتَ من أهل التورع، عرفتَ الأصلَ من الفرع، وإن كنتَ من جنس الثور والحمار، لم تعرفِ النافع من الضار، والماء [الحارَّ] من البارد، والبارد من الحار، والمطعم من الجزار.
* فأهلُ الله به كلِفُون، يُسرعون إلى محبته وطاعته، ويَكْلَفون بعبادته ومحبته، يَغضبون لغضب الله، ويرضَوْن لرضاه.
قد تركوا هواهم لمولاهم، فوالاهم وأدناهم، وناداهم وحياهم، فليس الناس إلا هم.
أخبرنا جماعةٌ من شيوخنا: أنا الحافظُ أبو بكرِ بن المحبِّ: أنا القاضي سليمانُ: أنا الحافظُ ضياءُ الدينِ: أنا فاطمةُ بنتُ سعدِ الخيرِ: أخبرتنا فاطمةُ بنتُ محمدٍ: أنا ابن ربذةَ: أنا سليمانُ بن أحمدَ: ثنا أحمدُبن منصورٍ: ثنا محمدُ بن إسحاقَ: ثنا عبد الله بن محمدِ بن يحيى بن عروةَ، عن هشامِ بن عروةَ، عن أبيه، عن عائشةَ، عن النبيِّ - صلى الله عليه وسلم -: "أَنَّ مُوسَى -عليه السلام- قال: يا ربِّ! أخبرني بأكرِم خلقِك عليكَ، قال: الذي يُسرع إلى هوايَ إسراعَ النَّسرِ إلى هواه، والذي يَكْلَفُ بعباديِ. الصالحينَ كما يَكْلَفُ الصَّبِيُّ بالناس، والذي يغضَبُ إذا انْتُهِكَتْ محارمي غضبَ النَّمِرِ لنفسِه؛ فَإِنَّ النَّمِرَ إِذَا غَضِبَ، لَئم يُبَالِ أَقَلَّ النَّاسُ أَم كَثُرُوا" (?).