فقلت: ولو لم يعشْه، نفسي تؤمِّلُ أكثرَ من ذلك، وأنا أُثبتُ لك كذبَ ما تقولُ نفسُك.
وكان يُعَمِّر في عمارة عظيمة، وهو مجتهدٌ فيها.
فقلت: لو أمسككَ السلطانُ، وقالمالك: عشيةً أقتلُك، أو في غدٍ هنالك أكلٌ أو شربٌ أو جماعُ زوجةٍ، أَوَ كنتَ تجتهدُ في تمام هذه العمارة، أو تضحك؟!
فقال: لا.
فقلت: هذا يبين لك كذبَ هذا الأمر الذي تقوله بلسانك.
فالذي قلبُه مصدقٌ بهذا، ونفسُه مثلُ محمدِ بن واسع، ومثلُ ابن عمر، الذي لم يضع لَبِنةً على لَبِنةٍ.
وأما نحن، فكلُّ ما نحن فيه أقوالٌ باللسان، وليس ثَمَّ من الإيمان بشيء من ذلك، ولو كان إيمان، صدقَ القولَ العملُ.
وقلت مرة لبعض قُضاتنا: كلُّنا بقينا تيامنة.
قال: نعوذ بالله من الشيطان، لا والله! إنما نحن على حقيقة الإيمان.
فقلت: لا والله! إنما هو قول باللسان، ولو كان له حقيقةٌ، صدق القول العمل.
فإن التيامنة لا تؤمن بثواب ولا عقاب؛ فإن من آمن بالثواب والعقاب، خاف ورجا، ومن خاف ورجا، ارتكبَ واجتنَب، فارتكبَ