عارضَهم من نائلها رفضوه، وما عارضهم من رفعتها بغير الحق وضعوه، وخَلَقَتْ الدنيا عندَهم، فليسوا يجدِّدونها، وخربَتْ بيوتهم، فليسوا يُعَمِّرونها، وماتت في صدورهم، فليسوا يُحيونها، يُهدمونها، فيبنون بها آخرتهم، ويُبيعونها، فيشترون بها ما تبقَّى لهم، ورفضوها، فكانوا فيها هم الفرحين، ونظروا إلى أهلها صرعى قد خلت بهم المَثُلات، وأحيوا ذكرَ الموت، وأماتوا ذكرَ الحياة، يُحبون الله، ويحبون ذكرَه، ويستضيئون بنوره، ويضيئون به، لهم خبرٌ عجيب، وعندهم الخبرُ العجيب، بهم قام الكتاب، وبه قاموا، وبهم نطق الكتاب، وبه نطقوا، وبهم عُلم الكتاب، وبه علموا، وليسوا يرون نائلاً مع ما نالوا، ولا أماناً دون ما يرجون، ولا خوفاً دون ما يحذرون (?).
ولهذا روينا عن محمدِ بن واسعٍ: أنه كان له بيتٌ ورثه من والديه، فكان كما انهدم منه شيء، انتقل إلى غيره، حتى انتهى به الأمرُ إلى أنه لم يبقَ منهم غيرُ الدهليز، فانتقل إليه، فجعل كما انكسرت منه خشبةٌ، انتقل إلى تحت الأخرى، حتى لم يبق منه غير خشبة أو خشبتين، فانتقل إلى تحتها، فمات تحتها، فسقطت.
وكان الحسن يقول: لو فارق ذكرُ الموت قلبي، لفسدَ.
وقال -رَحِمَهُ اللهُ-: "مَا لِي ولِلدُّنْيَا؟! إِنَّمَا مَثلِي وَمَثلُ الدُّنْيَا، كَمَثلِ رَاكِبٍ قَالَ في ظِلِّ شَجَرَةٍ في يَوْمٍ صَائِفٍ، ثُمَّ رَاحَ وَتَرَكَها" (?).