فهم بركةٌ كيفما كانوا، وقد ذُكر عن شيخِ الإسلامِ أبي الفَرَجِ الشيرازيِّ: أنه لما قدم دمشقَ، استأجر بستاناً، وكان ذلك البستانُ له وقتٌ يتنزه فيه الفَسَقَةُ، فلما جاء وقته هو فيه، وإذا خلائقُ قد أَتوه بالخمور والنساء وغير ذلك على عادتهم، فعِيلَ صبرُه من ذلك، ففي اليوم الثاني كَثُروا، فلما كانَ في اليوم الثالت، وحضروا، قام وقال: أيها الناس! إنا استأجرنا هذا البستان، ومن أراد أن يدخله، ونُحالِلُه، فليتوضأ معنا، حتى نصلِّي الظهر، فقام كلُّ أحدٍ منهم، وتوضأ، ثم صلى بهم الظهرَ، فأطال فيها، وجلس يذكرُ إلى العصر، ثم أقامَ وصلّى بهم العصرَ، وجلس في الذكر إلى المغرب، فامتنع كثيرٌ منهم بذلك من السُّكر وغيره، ولم يتمكن أحدٌ من ذلك، ثم كانت هذه عادتهم معهم، فلم يحضره بعدَ ذلك أحدٌ من الفَسَقة، وتابَ خلائقُ منهم، قال: وصار لي في شهر أكثرُ من ألف صاحب.
فانظر كيف أزال المَنَاكر بهذه الخبرية اللطيفة، وأحبَّه الخلقُ، فهكذا يكون الصبرُ في [الآمر] بالمعروف، والناهي عن المنكر.
فنظرُ أهلِ الخير يزيل المنكرَ، وعبادتُهم تزيل المنكر، ومباشرةُ أيديهم تزيل المنكر، كما روي عن الشيخِ عبد الله اليونينيِّ: أن حَمَّاراً وقع حملُه، فساعدَه في تحميله، فلما أوصله إلى بيت الأمير الذي هو له، إذا به من أحسن الأكل، فغضب عليه، فقال: والله! بيدي وضعته، ولكن أَعلم من أين أُتيت، ثم جاء إلى الشيخ، فأسلمَ على يديه، فلما علم الأميرُ، تاب عن شرب الخمر، فكان ذلك كلُّه من بركة الشيخ.