وهذه الطريقة -أعني "منها ... " ثم "قلت ... "- هي التي اطردت من أول الكتاب حتى آخر بحث فيه.
وبلغ ما اختاره من المشكل مئة وثمانين نصًا (?) منها سبعون حديثًا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وتسعون من كلام الصحابة، وحديث واحد لعمر بن عبد العزيز من التابعين، وما بقي فهو من كلام ورقة بن نوفل وأبي جهل وهرقل وصاحبة المزادتين وغيرهم ممن عاصر النبي - صلى الله عليه وسلم - أوجاء بعده بقليل.
والجامع لهذه النصوص كلها ورودها في "صحيح البخاري" على أنها مشكلة في رأي ابن مالك (?)، سواء أكانت في رواية واحدة أم جاء إشكالها بسبب الاختلاف الواقع في روايات النسخ المخطوطة للجامع الصحيح. وكان المؤلف يذكر الاختلاف في الروايات أحيانًا، ويترك ذكره في أغلب الأحيان.
وطريقة البحث بجملتها تقوم على إثبات نص الحديث وتعيين محل الاشكال فيه، ثم يوجه المؤلف اعرابه مستعينا بالتمثيل والاحتجاج بالنصوص الفصيحة، مقدمًا شواهد النثر على النظم، وذلك واضح من طريقته وبعض اشاراته، كقوله (والجواز أصح من المنع, لضعف احتجاج المانعين وصحة استعماله نثرًا ونظمًا) (?) وقوله: (وحذف كان مع اسمها وبقاء خبرها كثير في نثر الكلام ونظمه، فمن النثر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - ... ومن النظم قول الشاعر ... ) (?).
وإذا تنوعت الشواهد على المسألة الواحدة نراه يقدم نصوص القرآن والقراءات على غيرها، ويقدم في الغالب شواهد الحديث على أقوال العرب والنظم، ويقدم أقوال العرب النثرية على شعرهم.
وربما يكتفي عند إلاحتجاج على مسالةٍ ما بالقرآن وحده، أو بالحديث دون غيره، أو بأقوال العرب، أو بأبيات من الشعر فقط. وسأفصل هذا الجانب في بحث "الاستشهاد" إن شاء الله.