فما سبب هذا الموقف الغامض من مؤلف هذا الكتاب؟ ! هل هو الحسد والحقد على الزملاء؟ ! إن مؤلف هذا الكتاب لم يسجل كلمة واحدة حول علاج الجروح عن طريق النبيذ أو التخدير عن طريق الإسفنجة المبللة، وتبعه في هذا التجاهل تلميذه «لانفرنكو». أما «هينريش فون موندفيل» الذي أخذ الجراحة عن «تيودريش» فهو الوحيد الذي ذكر -وبإعجاب- طرق علاجه العظيمة والنتائج المهمة الناجحة التي انتهت به أن وصفه لأستاذه عبارة عن قصيدة مدح وثناء على الجرح الذي يبرأ بسرعة دون حدوث صديد، وهكذا مضت ستة قرون دون تقدم في علاج الجروح بالرغم من كل المجهودات القيمة التي بذلت، لذلك كانت الضحايا تذهب الواحدة بعد الأخرى.
أما فيما يتصل بالتخدير فقد خطا خطوات تقدمية. ففي مجموعة الوصفات الطبية كمجموعة ترياقات نيقولا نقرأ ما يستفاد منه أن التخدير قد استخدم فأنقذ حالات كثيرة من خطر الموت المحقق، كما أن المبالغة في إعطائه للمريض كانت سببًا في القضاء عليه، كما أن الكنيسة حاربت التخدير اعتقادًا منها أن المادة المستخدمة في إعداده هي مادة شيطانية، وهكذا نجد التخدير يؤدي خدمة جليلة في خدمة المريض فلا يشعر بالآلام المبرحة التي يتعرض لها.
والشيء الذي تعلمه «هوجو» اللوكي كان ضئيلا جدًا، لكن من كتاب الجراحة المنسوب لابنه تعلم كيف أن السيد «هوجو» كان يستخدم مادة التخدير، كما كان يخدر تخديرًا موضعيًا؛ وذلك بربط الجرح بمادة مكونة من النبيذ وبقايا الكتان، ثم يلفه بقطعة قماش ناعمة. كما أنه انتقد طريقة جالينوس عند علاج الجروح الحديثة، لكن توفيقه كان عظيمًا جدًا عندما استخدم طريقة ابن سينا.
ثم نجد تيارًا عربيًا ثقافيًا ثانيًا يغمر أوربا، فظهر ابن سيناء، كما نجد «فريدريش الأول برباروسا» يهتم بالفلك، وقد حاول الاستفادة من كل ما هو جديد عند الآخرين فأرسل «جريرد» اللونجباردي من بلده الحبيب «كريمونا» إلى إسبانيا. وفي ذلك الوقت ظهر في كولونيا على الرين طالب الطب الشاب الألماني الملقب «أركيبويتا»، وأخذ يشيد بمجد مدرسة سالرنو التي ازدهرت وأينعت