ولهذا فقد كان من المحتم أن تخفق دعوته من الناحية العملية البحتة، وإِن هي ظلت حية من الناحية النظرية، حيث بقيت مبادؤه حاضرةً في أذهان اليمنيين، وفي الفكر اليمني الحر على مختلف العصور.

وأقر نشوان بهذا الإِخفاق، وتخلى عن سعيه إِلى الإِمامة، لينصرف بقية عمره إِلى تثبيت إِمامته الخالدة في العلم، وهي إِمامة يعترف له بها حتى ألد خصومه، فالإِمام عبد اللّاه بن حمزة يأتي بعده بنحو عقدين من الزمن يقول فيه خاصةً، وفيمن يسلك نهجه الفكري عامةً في أرجوزة طويلة:

ما قولكم في مؤمنٍ صوّامِ ... مُوحِّدٍ، مجتهدٍ، قوَّامِ

حَبْرٍ بكلّ غامضٍ علّامِ ... وذِكرُهُ قد شاع في الأنامِ

بل هو من أرفعِ بيتٍ في اليمنْ ... قد استوى السرُّ لديهِ والعلنْ

وما له أصلٌ إِلى آل الحسنْ ... ولا إِلى آلِ الحسينِ المؤتمنْ

ثمّ انبرى يدعو إِلى الإِمامهْ ... لنفسِهِ المؤمنة القوّامهْ؟

أما الذي عندَ جدودي فيهِ ... فيقطعون لسنه من فيهِ

وييتمون جهرةً بنيهِ ... إِذ صار حقَّ الغير يدّعيهِ

ففي هذه الأبيات شهادة ببلوغه أعلى مراتب العلم والكمال، أما ما فيها من حِدَّةِ العصبية وغلوِّها فكان سمة سلبية من سمات ذلك العصر الحافل بالاتجاهات السياسية المتصارعة وما دار بينها من جدل عنيف أدى إِلى الغلوّ بين مختلف الأطراف، ولا أَدَل على ذلك من الخصام والصراع الجدلي والفكري شعراً ونثراً الذي دار بين نشوان وبعض تلاميذه من ناحية وبين الإِمام القائم في عهده المتوكل على اللّاه أحمد بن سليمان وبعض أنصاره من ناحية أخرى، وما في ذلك من الشطط الذي شمل الجانبين.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015