أن يطلع عليها الناس، فقد تكون هذه من علامات الرياء.
الأخذ بالأسباب سنة الأنبياء، وهي لا تنافي التوكل على الله- عز وجل-، فالتوكل كما يعرّفه العلماء هو الأخذ بالأسباب مع قوة اليقين والثقة بالله، وغير ذلك لا يكون توكلا، ذكر الحافظ ابن حجر رحمه الله في باب قوله تعالى: وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ سئل أحمد عن رجل جلس في بيته أو في المسجد وقال: لا أعمل شيئا حتّى يأتيني رزقي. فقال: هذا رجل جهل العلم، فقد قال النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم: «إنّ الله جعل رزقي تحت ظلّ رمحي» (?) وقال: «لو توكّلتم على الله حقّ توكّله لرزقكم كما يرزق الطّير تغدو خماصا وتروح بطانا» (?) . فذكر أنّها تغدو وتروح في طلب الرّزق قال: وكان الصّحابة يتّجرون ويعملون في نخيلهم، والقدوة بهم) (?) . انتهى.
وسنة نبينا كلها مملوءة بمظاهر أخذه بالأسباب، منها حديث الباب في قول عائشة:
(قبل أن ينزع إلى أهله ويتزود لذلك) ، والتزود هو استصحاب الزاد، أمرنا الله به في محكم التنزيل، قال تعالى: وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوى [البقرة: 197] .
ومن أراد أن يأخذ الدروس والعبر في حرص النبي صلّى الله عليه وسلّم على الأخذ بالأسباب، فعليه بقراءة ما جاء في الهجرة المباركة، فكل خطوة خطاها النبي صلّى الله عليه وسلّم أخذ فيها بأحسن الأسباب، كأن الهجرة كانت لتعليم الأمة الأخذ بالأسباب. ومن لا يأخذ بالأسباب ويدعي أن هذا هو منتهى التوكل، أقول له: أأنت أعلم أم الرسول صلّى الله عليه وسلّم؟! أأنت أشد توكلا أم الرسول؟، أقول له في النهاية: ماذا تقول في قوله تعالى: وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ [الأنفال: 60] ، وقوله تعالى: وَما رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلكِنَّ اللَّهَ رَمى [الأنفال: 17] ، فأثبت الرماية لرسوله الكريم صلّى الله عليه وسلّم، وكان التوفيق والتسديد منه- عز وجل- ولكن جاء بعد الأخذ بالأسباب.
ما كان عليه الصحابة من تعظيم أمر الوحي، وما أنزل من الله- عز وجل-، فكانوا يرون أنه الحق، والحق هو الصدق في الإخبار والعدل في الأحكام، ومن تلقى الوحي بهذا الاعتقاد، سارع في إقامة حدوده بتسليم وقبول، ورضي واطمئنان، لا