صلحت صلح الجسد كلّه، وإذا فسدت فسد الجسد كلّه ألا وهي القلب» «1» ، اعتنى الله- عز وجل- اعتناء عظيما بقلب حبيبه وصفيّه من خلقه وخليله صلّى الله عليه وسلّم منذ صغره، فطهر الله- تبارك وتعالى- هذا القلب ونزع منه حظ الشيطان وملأه إيمانا وحكمة، وقد بسطت تلك المسألة في موضع آخر من الكتاب، ولما زكى الله- عز وجل- قلب نبيه في القرآن العظيم وعلى لسان نبيه صلّى الله عليه وسلّم زكاه بكل أنواع التزكية- التي نعرفها- فقد زكاه من حيث الوحي الذي أنزل إليه فكان هذا القلب الزكي الطاهر وعاء له، وزكاه من حيث تعامله مع أصحابه، فذكر رقته ورحمته بالمؤمنين، وزكاه من حيث صدقه وحضوره، فحكم عليه بعدم الكذب ومطابقة ما يراه القلب بما يراه البصر، وزكاه من حيث اتصاله الدائم بالله- تبارك وتعالى وعدم غفلته صلّى الله عليه وسلّم عن ذكره، فذكر صلّى الله عليه وسلّم في الحديث الصحيح أن عينيه تنامان ولا ينام قلبه «2» ، ولا أظن أن هناك تزكية أشمل ولا أعم من تلك التزكية، وسنأتي بعون الله تعالى على كل نوع بشيء من التفصيل. فأقول وبالله التوفيق:
قال تعالى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ (192) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ (193) عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (194) بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (195) [الشعراء: 192- 195] .
قال الإمام ابن كثير رحمه الله: (أي أنزله الله عليك وأوحاه إليك والذي نزل به هو جبريل عليه السّلام الروح الأمين، على قلبك لتكون من المنذرين، أي نزل به ملك كريم ذو مكانة عند الله مطاع في الملأ الأعلى، على قلبك يا محمد سالما من الدنس والزيادة والنقص، لتنذر به بأس الله ونقمته على من خالفه وكذبه وتبشر به المؤمنين المتبعين له) «3» .
وهي أبلغ تزكية لقلب النبي صلّى الله عليه وسلّم حيث إن القلب الذي يجمع القرآن تلقيا وحفظا وعلما وعملا، قلب لا يمكن أن يدخله شك أو شبهة أو نفاق، وإذا أردت أخي القارئ أن تقف على كمال وجما لهذا القلب الذي كان أول قلب يتلقى القرآن العظيم،