فطعموا، ثمّ جلسوا يتحدّثون، وإذا هو كأنّه يتهيّأ للقيام، فلم يقوموا، فلمّا رأى ذلك قام فلمّا قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر فجاء النّبيّ صلى الله عليه وسلّم ليدخل، فإذا القوم جلوس، ثمّ إنهم قاموا فانطلقت فجئت فأخبرت النّبيّ صلى الله عليه وسلّم أنهم قد انطلقوا فجاء حتّى دخل فذهبت أدخل فألقى الحجاب بيني وبينه فأنزل الله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ ... الآية) (?) .
1- أكدت الآية أن الأصل في دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلّم هو التحريم، ثم لا يكون الدخول إلا بشروط، ودليله أن الآية بدأت بقوله- تعالى-: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ، والنهي يقتضي التحريم.
2- نصت الآية على شروط دخول بيوت النبي صلى الله عليه وسلّم حتى يكون الدخول مشروعا غير محرم، والشروط هي:
أ- الدعوة إلى الطعام، قال- تعالى-: إِلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ.
ب- عدم تحين وقت نضج الطعام لقوله تعالى-: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ أي غير ناظرين إلى وقت نضجه. قال الحافظ ابن كثير: (أي غير متجينين نضجه واستواءه أي لا ترقبوا الطعام إذا نضج حتى إذا قارب الاستواء تعرضتم للدخول فإن هذا مما يكرهه الله ويذمه) (?) .
ج- وقت الدخول لتناول الطعام يكون عند الإذن.
قال القرطبي- رحمه الله- (فأكد المنع وخص وقت الدخول بأن يكون عند الإذن على جهة الأدب، قال ابن العربي (?) وتقدير الكلام: ولكن إذا دعيتم وأذن لكم في الدخول فادخلوا) (?) .
د- تحريم الاسترسال في الحديث بعد تناول الطعام، قال الإمام القرطبي: (وحفظ الحضرة الكريمة من المباسطة المكروهة) ، كما قال: (أمر- تعالى- بعد الإطعام بأن يتفرق جميعهم وينتشروا والمراد إلزام الخروج من المنزل عند انقضاء المقصود من الأكل. والدليل على ذلك أن الدخول حرام وإنما جاز لأجل الأكل فإذا انقضى الأكل زال السبب المبيح