يصلي بجوار صاحبه، وتحدث هذه الخشية والرهبة ولو كان هذا الإمام أعمى لا يبصر، وهذا- والله- مشاهد، عاينته بنفسي.
مع أن الخشوع محله القلب، إلا أن أثره يظهر على الجوارح؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال: «لا يخفى عليّ خشوعكم» ، ما كان قطعا يقصد اطّلاعه على خشوع القلب بل على أثره الذي يظهر على الجوارح.
يتفرع عليه، أن على المصلي أن يحافظ على سكون جوارحه؛ لأن ذلك يساعده على خشوع قلبه. وأما من يدعي خشوع قلبه، وجوارحه لا تسكن أثناء صلاته، فادعاؤه ادعاء كاذب وهو يدل أيضا على عدم تعظيمه للرب، تبارك وتعالى.
لا يؤثر على خشوع النبي صلى الله عليه وسلم رؤيته ومراقبته للصحابة في ركوعهم وسجودهم أثناء صلاته، وأعتقد أن هذه مزية خاصة للنبي صلى الله عليه وسلم لا يشاركه فيها أحد.
عن جابر بن سمرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إنّي لأعرف حجرا بمكّة كان يسلّم عليّ قبل أن أبعث إنّي لأعرفه الآن» (?) .
هذا بلا شك معجزة ظاهرة للنبي صلى الله عليه وسلم أن يسلّم عليه الحجر، خاصة أن هذا السلام كان قبل البعثة، وحكمة ذلك- والله أعلم- هي تهيئة النبي صلى الله عليه وسلم للنبوة وأن تكون تلك الأمور بمثابة إرهاصات النبوة، وأن يوطن النبي صلى الله عليه وسلم نفسه على أن الله عز وجل قد خلقه لأمر عظيم وأنه ليس كبقية البشر، وقد بينت ذلك عند الحديث عن الرؤية الصالحة.
عناية الله سبحانه وتعالى بنبيه صلى الله عليه وسلم ليس بعد البعثة فحسب، ولكن قبل البعثة أيضا، وتدبر أخي القارئ أن سلام الحجر على النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن مرة واحدة، ولكن يبدو أنه تكرر كثيرا لقوله صلى الله عليه وسلم: «كان يسلم علي» .
إرادة الله سبحانه وتعالى إظهار قدرته لنبيه صلى الله عليه وسلم خاصة، ولجميع خلقه عامة، إذ جعل حجرا يسلم على نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد جعل الله لهذا الحجر تمييزا خاصّا يتعرف به على شخص النبي صلى الله عليه وسلم، وجعل له صوتا مسموعا لإلقاء السلام يفهمه البشر، وأعتقد أن